إدريس حافظ الطلبي

نموذج من كتاباتك
إدريس حافظ الطلبي / خريبكة

البارصيال

تبدو الدراجات الهوائية الموضوعة بشكل عشوائي قدام التيراس البراني كأشباح منفلتة من عقال معركة خرافية وهاربة من زوبعة حلت على حين غرة .., فبعد صلاة العصر يشرع المكان المشحون إلى حد التخمة بدخان كثيف وروائح كريهة وقطط ضالة تحتل بغنج بعض الكراسي الجانبية في استقبال الوافدين بسحنات كالحة عليها آثار الإسمنت وعياء آخر النهار ,كل وافد يلقي بجسده المنهك على كرسي متهالك وكأنه كثلة قذف بها من عل , فحتى قبل أن يعتدل في جلسته ويرتد إليه نفسه يتوسط مقعده يرفع يده نحو الكونتوارالبعيد نسبيا عن التيراس الطرفاني ليطلب وكالعادة من العامل صاحب المقهى القابع وراء البريسة ودون وساطة النادل الذي يتناوم كعادته بجانب قصي من المرحاض فنجان قهوة بلون الحزن الذي يعتصر دواخله : "شي كحلة قاسحة وديرها في الطاس " بعدها يتحسس الجيب الداخلي من سترته يستل سيجارة ليداري ماعلق به من تعب الصباحات المضغوطة ليعلن في تحد صارخ أنه تحرر من عبء الوقت ونظرات رئيس الورش وتأوهات غير المدخنين الذين يجاورونه ذات المكان القذر..ها قد ضج المكان بوجوه أخرى التحقت بالتتابع , نفس الحركات نفس السحنات نفس الطلبات شريط مكرور ونسخة رديئة لفعل يومي يتم القيام به دون ملل .لاشيء يتغير سوى الطريقة التي يعتمدها النادل المسكين في تقديم الطلبات للزبناء في مسح الموائد بمنديل يحمل كل قاذورات العالم وأدرانه بمسحوق مجهول في شبه قنينة بلاستيكية غير معلومة,الشاهد في ذلك رائحته الغريبة التي تختلط بروائح القهوة والشاي والدخان وروائح أخرى مجهولة المصدر وضجيج الواصف الرياضي المنبعث من قناة رياضية مقرصنة ,فكثرة لغطه وصياحه وحماسته المبالغ فيها تثير غضب وحماس المتواجدين أمام التلفاز المعلق بواسطة شكل حديدي لامسحة جمالية ولا هندسية معلومة فيه يزعج بالإطالة المملة في وصف حركات ودخول اللاعبين للميدان ويصف أشياء داخل رقعة الميدان لايشكك فيها أحد كلون العشب الأخضر وعدد اللاعبين وعدد الحكام والشرطة التي تسيج مداخل الميدان والكلاب التي تنبح على الخواء ووو ,مع توالي سحب الدخان يصبح فضاء المقهى الداخلي مملوء عن آخره وكأنه حافلة تنتظر الإقلاع نحو محطة بعيدة يكون فيها صاحب المقهى شبه سائق ومساعد وهو ينادي النادل الكسلان من وراء الكونتوار أن يكون حازما مع الزبناء الغشاشين المحتلين لأسطول من الكراسي دون أداء ثمن المشروب لمشاهدة المباراة وعدم التساهل معهم , النادل مغلوب على أمره لاحول ولاقوة له في مواجهة هذه الحشود الهائجة من شباب ببنيات جسمانية قوية ورؤوس حليقة وهو النحيل الهزيل البنية ,يحاول الاقتراب منهم لكنه يتراجع , بعد قليل سيعطي حكم المباراة إشارة الانطلاق مازال الواصف متماديا في الصياح ووصف أشياء نراها بالعين المجردة . لاشك ستكون مباراة حاسمة تجمع بين عملاقين تاريخين في كرة القدم إلى حدود اللحظة مازال نصف الزبناء يماطل في طلب مشروب أو أداء مقابل المشاهدة يفتعلون الصياح والمبالغة في تحريك الكراسي ,صاحب المقهى قاب قوسين أو أدنى من فورة غضب عارم يبدو ذلك من حركاته وراء البريسة وأصوات المواعين يأمر في غضب النادل بضرورة التدخل ,النادل لايبالي ربما محرج وربما خائف من ردات فعل الجمهور الهائج .فجأة يطلع صاحب المقهى فوق الكونتوار وهو يحمل آلة التحكم عن بعد ويهدد بكلمات اختلط فيها الرجاء بالوعيد : إما تأدية الثمن مسبقا أو إطفاء الجهاز, يتدخل أحد الزبناء المداومين بالمقهى في محاولة منه إصلاح الأمر مقترحا تغيير القناة الرياضية بقناة الحيوانات فينهال عليه المهووسون بالمباراة بسيل من الشتائم والسب ومرمدات السجائر , ينسحب لاعنا الكرة وفعل الخير ,يكثر اللغط والاحتجاج فجأة ينقطع التيار الكهربائي عن المقهى وباقي الحي, صاحب المقهى يقف مشدوها وجهاز التحكم عن بعد ينزلق من يده يتكيء على حاشية الكونتوار وهو يسعل .يشرع النادل في لم زجاج الكؤوس والقنينات المنكسرة وهو يردد :"الحمد لله اللي ماجاش مني "
البارصيال : البارصا + الريال
البلد
المغرب
أعلى