محمد البالي

نموذج من كتاباتك
نموذج1:
نفس أمارة بالعشق ...

أيتها النفس المسكونة بالشوق الطافحة بالوجد المكتوية بالجوى الذائبة صبابة ...
أيتها النفس غير المطمئنة للحب لا متبولة ولا ولْـهانة ...
تهيمين والملكوت تبصرين فوق السحاب تعصره زائرة الفجر من عنب تفاح قديم ، أول الفاكهة وآخر عهدي بالطعام ...
تتوضئين من هواء مَعين يتكفل بالصلاة بين الماء وبين لهيب جفن لا فاتر ولا ينام ...
تمسكين قلبي بين أشفار غابة حفيفها هدير ، سامقات أستارها يبللها ضوء خافت يتسلق نازلا يشعل بريق العين فتدب الجوانح تتقاذفها رعشات ثلج غزيرة تنضح شرارة موقدك ...
برد ولهيب تصابا نورا والفجر يشّقق ويمد ألوانه ... ينسلخ منك القلب ويعدو صاعدا تقذفه لوعة من جمر الصدر يتلقفه الضوء الذي استنار ويطير به ... تجذبه إلى أرضه الغريبة أشباه ولاقطات ود وهواة قنص يدعونه لمأدبة ونبيذ لقيط ....
كيف يصّدق الناس وقلوبهم نهمة ؟ يشغلني السؤال فأراجع درس الكرم العربي ، لا أجد غير حاتم نذر قلبه لحب الناس في الهجير ينتظر فجر تعلو نفسه صهوة دعاء ...
أراجع كتب العشق فلا ألفي غير حكايات عن متعة العذاب في عشق الحكاية واحتراف الوجع ، اضطراب خاطر في عماهة قوم لا يعتبرون الإنسان سوى صريع سيف أو صائد بيداء ، تتكرر مآسي الناس في رفض العشق ونبذ العشاق ... يهيجون الصبو بالرحيل أو يئدونه بالرق والسخرة وحتى بتناول الفراش ... تناكحوا وما أحبوا ، تناسلوا وما لبثوا يحبون المال والسلطة واغتيال القلوب ، بطون وأمعاء وخرائط سجون خرافات مجون ، والشعراء يُـقتلون اويُـهَجرون ، يتناوب القوم على معشوقاتهم سبايا كلحم الظباء يتلهفون على الخصر والنحر . والذبائح راقصات تتنطط تبث الشكوى في الغناء وفي الرجاء وفي المكائد تنتقمن من عرب في الصحراء ومن نخاسي الأرداف وسارقي العيون وجباة الغيوم ...
كيف ترون العشق مع ثقافة الرق و السخرة وفي حضارة اللحم والأخضر ... ؟
وكان الشعراء إذا أحبوا عشقوا وإذا عشقوا ماتوا ، وكان الأتقياء إذا عشقوا رحلوا وإذا نطقوا ماتوا ... ومات عشاق التراب واغتربوا ... وعاش العشق غريبا ومات الشوق وتناسلت قبور العشاق ومن كل أوطان الدنيا ، عشاق إنس وجمال وعشاق نور وعشاق أوطان ....؟
ألا ترون العشق تحرُّرا من تاريخ كبت وعبودية إنسان ...؟ ألا تلفون العشق وطنا ؟...ألا ترون العشق بيان أصل واحد لإنسان ؟.. رباط إنساني وعناق سماوي ...
تتحد النفس في العشق بالعشق ، يلتصق الشطران ويذوبان في عناق طويل ، لا تغريهما موائد فناء ولا يسجدان لمخلوق ...
أو تتفتق نفس من نفس ، تتوارى الأمارة بالسوء تفر من لظى العشق وتنسلخ الفراشة منمقة بضوء نازل تتسلقه تطير وتطير ... تأمرك بالسكون فترتاع من لغو الكلام وتنحبس ظنونك في كهف نهارك بين ذا شريك وذا مملوك وذي أنثى زمان ...
تطير الفراشة تتبعها عيون من دواخلك اغتسلت قبل الفجر بزيارة من غيمة فيحاء عطرت ساحة الجوى فأينع الجوى وانفرج الفؤاد من غم الأيام ... وتطير إليها نفسك العاشقة تحس بالأزرق وبالبياض وبالسواد ... تزوجك ألوان الطيف بحرا وفجرا ، تبللك من معتق ريقها العطر الوسنان ... يتراءى لك أبيض الكفن يفتق أسود الليل وأنت أقرب إلى قوس تتراقص بأشرعته تلك النازلة من حلم لذيذ ، تلك الصامتة الباسمة ، تلك التي تعصر الشفاه من بعيد تذرف نبيذا لا يخالطه الشك في رحيل وعيك عن وعيه ، تحملك على سهام أشفارها العطشى إلى كحل من مداد رعشاتك الساخنة ... تودع الأمس ، تودع اليوم ، نهار وليل سيان في امتحان قدرة الشوق على الطيران ...
وتكون ولادة في غمرة الكرز ... والرائعة صغيرة على بساط أخضر تلوح لفصل العنب ، هل يحملها شوقك كما حملتك إلى مدارج في لغة علم لا تدركه بصائر من سلبوا فتنة التواصل بالعشق ومن أسكنتهم غرائز النهار في بئر ظنونهم على صراط قدماء الزائلين ...
هل يطير بها عشقك لتعانق صوتا خافتا في الليل كحفيف الروح يدنو بهدير وجدك إلى مقلة في السماء كلما انفتق الفجر انقشعت خلف ضباب فسيحة، تفرك العين لتراها ولا عين غير عينها في هذه اللحظة الخاطفة إذ تتحرر نفسك الأمارة بالعشق ، فيكون فراغ ويكون صمت، ويكون من النسيم ضوء يبحث عن ولادة جديدة ...
علها تهيم فنمد الخطو في العشق ... ونسرع إليه الرحيل ...
محمد البالي . تطوان / المغرب/ 03-06-2014
..................
نموذج 2:
محمد البالي
بلاصا بريمو
(plaza primo)

لم يتبق غير صورة بالأبيض والأسودِ
طفل في عمر قبضة أبيه
يشبهني إلى حدّي
على دراجة وسْط ساحة النخيل
ساعةٌ غطت معصمه
وعيناه سامقتان صوب الهديل
لم يكن حينها سيكشف
أن الحناجر التي لوّنت قصائد الوَجد
هي الخناجر التي أوْقعت بالنشيد
.....
بلاصا بريمو
كنيسة المهد
سوْعاء تهدي
مقهى باريس
الشهود والوعيد
وأصناف من الشاي تْبرد
بلاصا بريمو على حافة الشوق
حيث التقينا وحين افترقنا
و آوت إلي الذئاب
لم أكن يومها سأعرف
أن العيون التي أدمعت من شغـَف
هي العيون التي تزفّ العشق
إلى المشنقة
.....
بلاصا بريمو
ساحة المهدي
صنوان ضدان
قـُـبلة تعضّ
وأحلامٌ ضجرْ
ما كنت سأكون ذاك المصوّر الذي
شيّد الذكرى وغاب في القدرْ
ما كنت سأهيم على خدود الأمنيات
في حضن الشارع الخامس
ما كنت لأسبق الخيبات.
تحدثني الأشواق
يرمقني متبسما في ازدراء
معطف أزرق مُدجّج
كان يعلم ما سيحمله سُعاة البريد
إلى ثلاجة الدّي اِسْ تي
أشعث وجهه وعيناه مُحمرّتان
ذاك الذي ضاقت بصدره النياشين
يهجر سريره كل ليلة ميلاد
والغمد في يده
وجوارب النساء
ومفاتيح القبو
وإذاعة مشوَّشة
وكل ذاك الهراء.
لم أكن أدري أن ساعة الحلم
وهي ترقب حافلة الكهرباء
سترنّ بعيدا خلف الفدان
.....
جاء الطفل يبكي ساعة حلمه اللذيذ
جاء مُلطخا بالنشيد
يقرع زجاج الساعة الخرساء
يرفع عينا إلى السّوْعاء
ما عادت ترافق الناقوس
كم كان يحتفي بالمساء:
طان... طان... طان...
يفرك عينا تـُزاحمها صور بالألوان
تتراقص الأوجه في ذكراه
يتمايل الرجال
تشْطح الخاصّة
ترفل لافتات القبر
و الخامس أضرحة مفروشة
وجَعجعة غربان
.....
لم تبق غير صورة
على وجهها ركض الأطفال
خلف رمادها تاريخ يخفت
وطابع المصور باهت
لكنْ
في تلك الصورة ومْض لم يكن يراه
يمسح الصورة، يطل نور
ثمة طفلة هادئة لا تُرى حين سرعة
في عينيها بريق يشد الانتباه
ما زال في القلب درب للوصال

محمد البالي
تطوان- يناير2017
البلد
المغرب
أعلى