ديوان الغائبين ديوان الغائبين : محمد عبد الرحمن شيبون - السودان - 1930-1961

محمد عبد الرحمن شيبون
ولد في أبي زبد بكردفان (180 كيلومتر) غربي مدينة الأبيض في عام 1930م.
- درس المرحلة الأولية بمدرسة أبي زبد الأولية، والوسطى بمدرسة الأبيض الأميرية وانتقل في المرحلة الثانوية للدراسة بحنتوب
- انضم لصفوف الحزب الشيوعي السوداني سنة 1950 وهو ابن 18 سنة،
- التحق بجامعة الخرطوم – كلية الآداب عام 1951م وفُصل منها في عامه الدراسي الثاني
- اشتغل مدرسا في المرحلة المتوسطة داخل محيط التعليم (الأهلي) (أبو زيد – الأحفاد – أمل المجتبى) وغيرها من مدارس شعبية.
- اقدم على الانتحار في ظروف غامضة


لومببا

يا لومببا
أي اسم في ذري التاريخ أربي
وتناهي
صار للشهداء قطبا
هام بالكنغو فشق له علي الألغام دربا
ناداه للبذل الضنين فكان قلبا
هزه شوق إلى المجد فلبي
وتحدي ملء سمع الكون غربا (أي دول الغرب)
هم أرادوا أن تكون الغصن سهل القطف رطبا
فكنت صلباً ،كنت كالفولاذ صلبا
أصليتهم حمم الكفاح
وسمتهم ركلاً وضربا
حسبوك فرداً اعزلا
لا يستأم ولا يلبي
فتفجرت قمم الجبال
ودوت الغابات شعبا
فإذا همو ملء السهول
كتائب كالثأر غضبي
وتحولت سود العيون مشاعلاً تشتاق حربا
عف السلاح علي يديك
فما استبد ولا تخبا
لو كنت سفاحاً غليظ القلب ذئبا
لأبدتهم وصلبتهم كالضأن صلبا
ولسقتهم نحو الحتوف
عواجزاً كلباً فكلبا
يا هيئة (هيئة الأمم المتحدة) جمعت لصوصاً
لا تري في القتل ذنبا
جندت قطاع الطريق
ودنت بالدولار ربا
أوكلت قرصان (عميل الاستعمارية العالمية) القرون
فاصبح الميثاق تربا
ضللت بالأمن الشعوب
فما استقر ولا استتبا
قد كسر الشعب القيود
فمن يذل اليوم شعبا
لا تحسبوا من مات مات
فإنه حي لومببا
هو في مياه الكنغو يجري
صاخب الأمواج عذبا
هو في اهتزازات الغصون أصفي ندي
وأعم خصبا
هو في التماعات النجوم
تبثه ضوءاً وشبا
هو في قلوب الطيبين
تحوطه عطفاً وحبا
هو في قوانين الحياة مضي إلى الآفاق رحبا
هو في ضياء الشمس
دفء
مرسل شرقاً وغربا
هو قصة التاريخ تضوي سيره درباً فدربا
لا تحسبوا من مات مات
فإنه يحيا بنا، يحيا لومببا


***

التجربة


ما أمتع أن يدخل الإنسان في تجربة. فالحياة الرتيبة تحيل الإنسان إلي آلة، إلي ساعة أوتوماتيك لا تخطيء الوقت. وهذا حسن أو هكذا يقولون. ولكنني جئت إلي هذا العالم لكي أحارب طواحين الهواء!

بدأت التجربة سراً وهي ما زالت فكرة، ثم عملاً، وأخذت أرقب تطورها من بعيد، من خلف ستار كثيف من تقاليد هذا المجتمع الجامدة. ولكني لم أصبر. فقد أغراني النجاح المبكر بالظهور علي المسرح وليتني ما ظهرت. إنها تجربة صغيرة ولكنها (؟) بمقياس الإنسان وانفعالاته. لقد بدأ المجتمع يتدخل.

لم أهتم في البداية. ورفعت عالياً شعاري الخالد: " أيها الناس اتركوني لحالي." ولكن الناس رفعوا أعلي شعارهم الأخلد: "تدخلوا، أوقفوا هذا المجنون عند حده، هذا ضد الأمور السائدة، ضد ما وجدنا عليه آباءنا."

وتحرك الجمود. وبدأت التجربة الحقة. كل النماذج من البشر أدلوا بدلائهم. كل واحد من زاويته التي يحكم بها علي الأمور. لقد وجدوا أخيراً ما يملأ الفراغ القطبي في حياتهم القاحلة. حتى أصدقاء السلاح رفعوا سلاحهم في وجهي وضربني من كنت اعلمه الرماية حتى اشتد منه الساعد وأدار لي آخرون الأكتاف الباردة التي تبينت أنها لم تكن ساخنة في يوم من الأيام. لقد استغل كل إنسان سلاحه.

ولن نعدم سلاحاً إذا كنا نحارب عواطف إنسان. ومن بعيد جاء الأهل بدافع من حرصهم وأجبروني علي أمور روضت نفسي علي قبولها. وكما ينحسر ماء النهر في فصل الجفاف تلاشت حماستي وتدثرت بحكمة الجيوش المنهزمة وبدأت أتراجع بانتظام. وتفضل ضابط مباحث فأجهز علي البقية الباقية باسم القانون واجتزت آخر المراحل بعون رجلين فاضلين.

لقد عدت إلي القواعد بسلام، قواعد المجتمع الراكد الذي يرتعش من التجربة وعدت اشتغل أفندياً التزم وأتقيد بثمن بخس دراهم معدودات.

وفي اليوم التالي القي الجميع أسلحتهم وأخذوا يلوحون بالتحية للقب الأفندي. وكنت أحييهم وأنا أردد: " عاشت بلادنا، بلاد الأفندية."


25-4-1960

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى