حسن قرى - آسف .. ياوطني

وأنا أتسكع بين حاويات القمامة بتلك المدينة، ألملم أشلاء جراح السنين، وألتهم ما تبقى من رمق الحياة البائسة، وأعبُّ من كؤوس الحرمان آخر رشفة. وجدتُك فجأة أمامي، بكل جلالة قَدْرِك، كُنتَ مطروحا قريبا من حذائي المثقوب. ها أنت الآن بحضرتي، أنا الذي كنت آمل يوما أن أمثل بين يدي حضرتك.

يا لِسُخرية القدر، أنا الآن خارج الحاوية، أما أنت فبِجوْفِها. أنظر إليك بتعال، وأنا أستعرض شريط ذكرياتي معك. يوم رمى بي رجالك في صندوق مماثل، وأنا أقف بباب مكتبكم، بعد شغبي وإصراري وقلة أدبي لمقابلة جنابِكم، حول أمر تافِه من الأمور التافهة التي تشغل بال اليافعين من أمثالي.

فماذا يعني، أن تُزعج مسؤولا كبيرا، باختفاء دقيق مدعم من الأسواق؟ أو نُذرة أدوية بمستوصف شبه مهجور؟ أو سقوط قنطرة أساساتها متداعية؟ أو ولادة حامل عند عتبات مستشفى؟ أو غرق أحياء ودواوير بعد اندلاق كوب ماء؟

لا شيء من كل هذا، يصحُّ أن يشْغَل سيادتكم عن مهمتكم العظيمة. فتلميع صورة الوطن، وتسخير مُقدَّراته لنُخبِه وزائريه، هي أقدس مهامكم، التي لايجب أن يشْغَلكم عنها شاغِل.

فهؤلاء الفقراء، ليسوا سوى ظاهرة صوتية، ستَكُفّ عن الشكوى والاحتجاج، بمجرد التَّكَرُّم عليهم بسهرة راقصة، أو مقابلة عالمية تعُجّ بالنجوم، أو مهرجانا في الفنون الشعبية، أو ملتقى لرجال الأعمال.

نحن الفقراء، نخدش بهاء هذا الوطن. نحن الرِّجْل العرجاء التي تؤخر انطلاقته، ليلتحق بركب الكبار. نحن من يلوث جمالية صورته، حينما تذيعها القنوات الأجنبية المغرضة، بِلِحِيِّناالكَثّة، وسُحناتنا الكالحة، التي لم يزرها أبدا لا مكياج روسي، ولا عطر باريسي، ولا رفَلَت أجسامنا الضحلة، بزيّ إيطالي فاخر، ولا احتضنت شفاهنا، التي تخلصت من أسنانها، سيجارا كوبيا منسما بعطر الليمون.

نحن الفقراء، ولأننا يجب أن نحب بلدنا على طريقتنا، يجب أن نتخذ قرارا استراتيجيا، ضِمن عُشرِيّتنا، نختفي بموجبه تماما من على خريطة الوطن...

ولأن الله يحب كثيرا مسؤولينا، فقط خلصتهم السيول الجارفة من كل بشاعتنا وعشوائياتنا وهشاشتنا. فلنَدعْ أجسادنا التالفة، ترافق الطمي والأدران إلى قاع المحيط. لن نخشى شيئا، سيتكرم علينا سادتنا، بيوم حداد، ونصب تذكاري للمواطن المجهول، يزهو قبرنا بزيارة الكبار والمشاهير، والترحم على أرواحنا الطاهرة، وتُذْرف في ذكرانا الدموع، فتوضع الزهور وتُشعل الشموع.

لكن، ما بال جنابكم، ممدد هاهنا بقاع حاوية قمامتكم؟ هل لتعطينا درسا في المساواة، ومقاسمة هم البؤساء ؟ أم لتختبر متانتَه، بعد أن لم يُوَفّ أخ زوجتكم بتعهداته اتجاهكم؟ ههههه لا تقل لي بأنك تتدرب على تحمُّل ما قد يفعله بك منتَخِبوك، بعد خيبة أملهم فيك؟ فذاك لا يحدث إلا هناك...

ركز نظرته جيدا في وجهي البئيس، ابتسم ابتسامة باهتة، وأسلم جسمه المترهل لشخير أزعج كل القطط الشاردة....


توقيع: حسن قرى

مراكش في: 02/12/2014

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى