من أحمد بوزفور الى عبد القادر وساط

أعجبني النشيد الوطني لنجدان، فهو على الأقل صريح
( هنيئا يابني نجدان/ بعهد الجور والطغيان )
ولم يعجبني هتاف الشعراء بحياة الطاغية. هل أُرغموا على ذلك؟ أو حدث تلاعب إلكتروني في أصواتهم الثائرة المتمردة فاستُبدل بها هتاف مخزني؟..على أي حال، وكتعبير عن الثقة في الشعر والشعراء، أقدم هذا المقطع الشعري الجميل، والذي قطفتُه من أغنية هندية، هدية إلى شعراء الكثيب، وإلى صديقي الأستاذ عبد القادر وساط من بينهم خاصة.. يقول المقطع:
( أجلس بخشوع
عند بحيرة قلبي
وأتأمل خيالك فيها )
صديقي العزيز سي عبد القادر.
أنا جادّ مُجدّ والله في تهريبك.. وقد قصدت دنانير في قصرها المهجور الذي تركه لها الرشيد من ميراث أوليائها البرامكة، فوجدت الحزن والسواد والوحشة مخيمة على القصر، ودنانير لا تكلم أحدا من حزنها على مولاها يحيى بن خالد البرمكي، وليس أمام القصر إلا شاعر عاشق عرفتُ أن اسمه ( عقيد )، وهو ينشد أبياتا بقي في ذهني منها:
( يادنانيرُ قد تنكَّر عقلي = وتحيّرتُ بين وعد ومطل
شفِّعي شافعي إليكِ وإلّا = فاقتليني إن كنتِ تهوين قتلي )
وفي الخلفية الحزينة السوداء للقصر كنت أسمع أم كلثوم تردد:
( رحلت عنك ساجعاتُ الطيورِ = وذوت فيك يانعاتُ الزهورٍ
إيهِ ياقصرُ والحياةُ سطورٌ = أنت باقٍ من بعض تلك السطورِ
مات فيك الهوى وضاعت أمانٍ = كُنَّ أحلى من ابتسام الثغورِ )
فاحترمتُ ذلك الحزن الوفيّ ياصديقي، ورجعت دون أن أكلم دنانير.
على أنني لم أفقد الأمل في تهريبك، وقد قيل لي إن هناك شاعرا خبيرا في تسلق الأسوار والهروب من فوقها اسمه الفرزدق، وفي شعره ما يدل على هذه الخبرة، فقد قال في إحدى هرباته من بيوت عشيقاته:
( هما دَلّتاني من ثمانين قامةً = كما انقضّ بازٍ أقتمُ الرّيش كاسرُهْ
فلما استوت رجلاي في الأرض قالتا = أحيٌّ فيُرجَى أم قتيلٌ نُحاذرُهْ
فقلتُ ارفعوا الأمراسَ لا يشعروا بنا = وأقبلتُ في أعجاز ليلٍ أُبادرُهْ .. )
ولكي يقبل تهريبك فإنني عازم على الاستعاذة بقبر أبيه غالب بن صعصعة، وقد رووا أن عجوزا أخرج الحجاجُ بن يوسف ابنَها الوحيدَ في غزو، فعاذت بقبر غالب هذا، فلما سألها الفرزدق عن حاجتها طلبت منه أن يتشفع له عند أمير ابنها ليطلقه، فكتب الفرزدق رسالة شعرية إلى هذا الأمير، وحين وصلت الرسالةُ التبس على الأمير اسمُ الابن فلم يعرف أهو ( خُنيس ) أم ( حُبيش ).. ( ولم تكن النقط قد شاعت في الكتابة بعدُ )، فقال لمساعديه: انظروا من له مثلُ هذا الاسم في جيشنا، فأصابوا ستةً ما بين خنيس وحبيش، فوجه بهم جميعا إلى الفرزدق. ويحكون من تعظيمه لأبيه أن سليمان بن عبد الملك، قال لجلسائه من الشعراء ( والفرزدق بينهم ): أنشدوني شعرا جميلا ( وهو يقصد طبعا أن ينشدوه مدائحهم فيه ) فبادر الفرزدق ( وهو مبادر ) فأنشده:
( وركبٍ كأن الريحَ تطلبُ عندهمْ = لها تِرةً من جذبها بالعصائبِ
سَرَوْا يخبطون الريحَ وهْيَ تلُفُّهم = إلى شُعَب الأكوار ذات الحقائبِ
إذا آنسوا نارا يقولون ليتها، = وقد خَصِرَت أيديهمُ، نارُ غالبِ )
والترة كما تعرف صديقي هي الثأر، وخصرت أيديهم بمعنى بردت، والخَصَرُ شدة البرد... ويحكون أن الشعراء بعد الفرزدق أنشدوا سليمان قصائد المدح التي ينتظرها، فقال لخازنه: أعط كل شاعر من هؤلاء ( وأشار إلى الشعراء غير الفرزدق ) كذا ألف دينار وألحق الفرزدق بنار أبيه. أفلا يحق لي أن أضع ثقتي في هذا الفرزدق وهو من هو.. إنني آنس نارا من بعيد ياصديقي، فليتها، وقد خصِر الكثيب، نار غالب.

safe_image.php

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى