نيروز مناد - رحلة.. قصة قصيرة

خلالَ تقديمه هديةَ بلوغي السَّادسة عشر طلبَ مني خالي التَّعري أمامه, ثمَّ ناولَني قصبةً طويلةً حادَّة طالباً مني ضربه بها و التفوه بألفاظِ قذرة و شتائم بشعةِ جداً خلال ضربه بها, في تلك الليلة اغتصبني و أسوأُ ما في الأمر أنَّه قام بتصوير كلِّ ما حدث. توفيت والدتي في يومِ عيدِ ميلادي السَّابع عشر وبينما كنتُ أغتسلُ في منزلِ خالي وصلتني رسالةٌ من خالتي فيها جملةٌ واحدة: " توفيتْ والدتك, أين أنتِ".
لم يعدْ التَّفكير بذلكَ الوقت مؤلماً رغمَ أنَّ استدعاء تلكَ الذكريات ليس صعباً أبداً. جلستُ صباحاً على طرفِ النَّافذة أتأملُ الشَّارع و كانَ كلُّ ما رأيته هو قططٌ تطاردُ بعضها أشعلتُ سيجارةً أخرى و أنا أحدثُ نفسي : " إنَّه آذار إذاً ". تلقيتُّ قبلَ أيام دعوةً من زوجةِ خالي لحضورِ زفافِ ابنتها كتبت في نهايةِ الرِّسالة : " لن أخاطبكِ ما حييتْ إن امتنعتِ عن الحضور".
بدا لي أنَّ كسراً في السَّاق هو أفضل حجةُ غيابٍ في هذه الحال غير أنَّي أكره ملازمةَ المنزلِ شهراً كاملاً . حتَّى السَّاعة السَّادسة مساءً كنتُ أفكر في حجةِ غياب مقنعة و لكنَّي فجأةً قررتُ بدل ذلك البحثَ عن فستانٍ مناسبٍ لحضورِ هذا الزفافِ السَّعيد. ستُّ ساعاتٍ كانت تفصلني عن لقاءِ خالي لأولِ مرةٍ منذ توفيتْ والدتي: _ هل أستطيعُ أخذ الأشرطة التي سجلتها لي؟
_ أنتِ لا تفهمينَ حقيقةَ الأمر, أنا أحبكِ و أودُّ مشاهدة ما حدثَ بيننا دائماً, ليس الأمر و كأنَّي أريد ابتزازكِ بها
_ و لكن .. ألا تخافُ من أن تقعَ في يدِ أحد؟
" إنَّها سرُّنا الصَّغير " قالَ مبتسماً و طبعَ قبلةً على جبيني. جلستْ بجانبي سيدةٌ عجوز و أخذتْ تقضمُ البسكويت كفأرةٍ صغيرة مصدرةً أصواتاً مزعجةً شتتْ تركيزي غيرَ أنَّي كنتُ ممتنة لذلك فأنا لا أحتاج لتذكرِ أياً ممَّا حدث الآن. طرقتُ البابَ طويلاً قبل أن تفتحَ زوجةَ خالي الباب بابتسامةٍ عريضة هاتفةً بصوتٍ حادٍ يتْعِبُ الأعصاب:
_ " لم أكن لأغفر لكِ غيابكِ عن هذه المناسبة ".
زيارةُ منزلِ خالي بعدَ كلٍّ ما حدث أشبهُ بزيارةِ مسرح جريمة كلُّ بقعةٍ فيه تحملُ أثرَ اعتداء. حاولتُ جَهدي التَّصرفَ كفردٍ من العائلة و لكنَّي أمامَ استغراقِ الجميع بحديثِ ذكرياتِ العائلة طلبتُ الانسحاب. مضى اليومُ الأولُ من زيارتي من دونِ أن أقابلَ خالي فقد كان مسافراً في عملٍ مهم,
_ " سيأتي غداً صباحاً "
قالتْ زوجةُ خالي قبلَ أن تطفئُ ضوءَ غرفتي متمنيةً لي أحلاماً سعيدة. استطعتُ التَّعرفَ على صوتِ خالي بسهولة بعد أن أقنعتُ نفسي أنَّي نسيتهُ تماماً. مددتُ يدي لأصافحه من مسافةٍ تمنيتُ لو أني تمكنتُّ من وضعها بيننا قبلَ اليوم, طبعَ قبلةً على جبيني و قال بتأثرٍ:
_ " لازلتِ جميلةً كأمكِ, كم أتمنى لو أنَّها كانتْ بيننا اليوم ".
العشاءُ لذيذ جداً و الجميعُ سعداء و لكنَّي كنتُ في موقفٍ لا أُحسدُ عليه أنا اليوم أجالسُ رجلاً اغتصبني منذ أعوامٍ سئمتُ من عدها و رغمَ ذلكَ لا أستطيعُ مواجهته فعلاً. ليلاً طرقَ خالي بابَ غرفتي, وقفتُ خلفَ الباب أرتجف و هو خلفَ البابِ يقول :
_ " أرجوكِ افتحي الباب, دعينا نتحدثُ قليلاً ".
اتجهتُ نحو السَّرير و دفنتُ رأسي بينَ الوسائد و بكيت. يومُ الزَّفافِ كانَ صاخباً فمنذُ الصَّباح امتلأَ البيتُ بالحركةِ و النَّشاط . التزمتُ غرفتي طوالَ الوقت و لم أخرج منها إلا مساءً. عندما خرجتُ من غرفتي كانَ الجميع قد اتجه إلى مكان إقامةِ الحفل عدا خالي و زوجته اللذان انتظراني لنذهبَ معاً. في السَّيارة دارتْ في رأسي العديد من الأفكار و الحواراتِ التي من الممكن أن تدور بيننا في هذه اللحظة:
_ هل كنتَ مستمتعاً ؟
_ لم أقصد إيذاءكِ صدقيني, أنا كنتُ أحبكِ
_ كنتُ طفلة!
_ كنتِ و مازلتِ أجملَ امرأةٍ رأيتها في حياتي
_ "وجهكِ شاحب هل أنتِ بخير؟"
سألتني زوجة خالي قبلَ أن نترجلَّ من السيارة فابتسمتُ قائلةً:
_ " أنا بخيرٍ تماماً " .
في اللحظاتِ الأخيرةِ من الزَّفاف اقتربَ مني خالي و همسَ :
_ " أتلفتُ جميعَ الأشرطة بعد رحيلكِ بشهورٍ قليلة"
صمتَ لثانيتين ثمَّ استدركَ قائلاً :
_ " هل ستغفرينَ لي ما فعلتُ في يومٍ من الأيام؟ "
كنتُ على وشكِ قولَ شيءٍ ما عندما أخبرتني ابنةَ خالي أنَّ هناكَ من يريد رؤيتي. سرتني رؤيةُ زوجي الذي أقلقهُ وجودي وحيدةً مع مسخِ ماضيَّ القاتم.
_ هل أنتِ بخير؟
مسحتُ دموعي بصعوبة و صرخت, صرختُ كثيراً و عالياً فعانقني قائلاً :
_ لقد انتهى كلُّ ذلك, انتهى تماماً.
جمعتُ أغراضي في اليومِ التالي و غادرتُ صباحاً أنا و زوجي مودعةً الجميع بحرارةٍ لم أستطع تمثيلها لحظةَ وصولي. عانقتُ خالي و همست في أذنه :
_أعتقدُ أنَّ ابنتكَ أتمتِ الخامسةِ عشر أليس كذلك ؟.


نيروز مناد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى