محمد نوري جواد - صفوة القول..

في أحد الكتب الدراسية في موضوع (إنّ) وأخواتها، لا يكاد المؤلف يميز بين استعمال (ليت) واستعمال (لعل)، فلا يوجد حدّ فاصلٌ واضح في المعنى من حيث الاستعمال، فقد جاء في الكتاب : أنّ ((ليت) تفيد التمني، والتمني يكون عادة لأمر بعيد الحصول، و(لعل) تفيد الترجي، والترجي يكون عادة في الأمور القريبة الوقوع)، وقد جاءت الأمثلة لا تميز بين (ليت)، و(لعل) بالنظر إلى أنّ (ليت) للوقوع البعيد، و(لعل) للوقوع القريب، فإذا نظرت إلى المثال في الكتاب : ليتَ الشارعينِ واسعانِ، والمثال : لعلّ الصادقينَ كثيرونَ . فتلميذ الابتدائية يستطيع القول : لعلّ الشارعينِ واسعانِ، بدلا من (ليتَ)، كذلك يستطيع القول : ليتَ الصادقينَ كثيرونَ، بدلا من (لعلّ)، فالأمر غير واضح عنده من حيث المعنى، والمثال الأخير يليق به (ليتَ) أكثر من (لعلّ) .
وبيان ذلك أنّ (ليت) لها معانٍ : الأول : في طلب أمر محال غير ممكن الوقوع، مثل قوله تعالى )وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً ( و قوله) يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا(، والقرآن الكريم على هذا الاستعمال، ومنه قول الشاعر : ألا لَيْتَ الشَّبَابَ يَعودُ يَوْما ... فأخْبَرهُ بِمَا فَعَلَ المشَيبُ، وهذا الاستعمال هو الغالب في (ليت) على ما نص سيبويه، وقد أهمل المؤلف بيانه إذا ما نظرنا إلى التعريف الذي عرض له، وهذا المعنى هو الذي يميز (لعلّ) التي تفيد وقوع الخبر من (ليت) التي لا تفيد الوقوع، فكان عليه أن يبرز ذلك ؛ لكي يستطيع التلميذ التمييز بينهما من حيث المعنى .
والمعنى الثاني : ما فيه عُسر بعيد الحصول مثل : ليتَ لي مليون دينار، الذي ذكره المؤلف . والثالث : قد تستعمل في الأمر الممكن وذلك قليل لا يعول عليه نحو : ليتك تذهب . أمّا (لعلّ) فإنها تستعمل للترجي وهو طلب أمر محبوب وتختص بالممكن، نحو : لعلّ الصديقَ قادمٌ، وفي الاشفاق وهو الحذر من وقوع المكروه نحو : لعلّ المريضُ هالكٌ . أو بمعنى (كي) على رأي نحو : قوله تعالى )لعلكم تعقلون)، وقوله (لعلكم تشكرون) .
الآن عد إلى أمثلة الكتاب وتأمل المثال : ليتَ الشارعينِ واسعانِ تجد أنه يدخل في معنى فيه طلب عسير بعيد الحصول لوجود صعوبة في ذلك الأمر، وإذا قلت : لعلّ الشارعينِ واسعانِ تجد أنه يدخل في معنى فيه طلب محبوب ممكن الحصول وميسور التحقق، والتفريق بين معنى (ليت) و(لعل) هنا دقيق لا يكاد يلتمسه إلا المعلم الحاذق من تعريف المؤلف .
وصفوة القول : كان على مؤلف الكتاب أن يبين لتلاميذ الصف السادس الابتدائي التمييز بين (ليت) و (لعل) من خلال استعمال معنى (ليت) في طلب المحال الذي أهمله تماما مقابل (لعلّ) المستعملة في الترجي ؛ لكي يظهر الفرق جليا بينهما، أي : (ليت) غير واقع، و(لعل) واقع، لكنّه استعمل المعنى الثاني لـ(ليت) الذي كان فيه عُسر وبعد الحصول، وهذا يسوغ للتلميذ استعمال (لعلّ) مكان (ليت) أو العكس من دون خطأ في الاستعمال أي : (ليت) واقع للبعيد، و(لعل) واقع، فيتحقق اللبس، وقد وقع فيه المؤلف فأتى بمثال خاطئ في الطرح وهو : ليتَ الصديقينِ مخلصانِ، مستعملا أسلوب التمني، فالصادق هو الذي يخبر بالواقع كما هو، وبذلك يتحقق عنده الإخلاص الذي هو تنقية النفس من الغش بلا ريب، وليس ذلك محالا أو فيه عُسر أو بعيد الوقوع حتى يستعمل (ليت)، ولو قال : ليتَ الكاذبينِ مخلصانِ لأصاب. فألبس على المعلم والتلميذ، وبعد ذلك يمر المعلم على الموضوع مرور الكرام من دون فهم أو تفهيم .


د. محمد نوري جواد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى