حسن إمامي - تمالوت -3-

مرت الانتخابات في جو مشحون بين جيل و ثقافة قديمتين ، و جيل و عقلية جديدين أرادتا مواكبة التغيير الذي تريده طموحات الأحزاب الوطنية المناضلة من أجل ديمقراطية حقة ، و التي كافح مناصروها و روادها و مناضلوها من أجل لحظات أشرف في الحياة السياسية ... لذلك ، تجد اللحظة الزمنية التي تواكب و ترافق كل خطاب أو تواصل سياسي أو ثقافي و اجتماعي بين مكونات هذا المجتمع ، محكومة باجترار هذا التاريخ و مؤثرة على المواقف بدرجة الوعي بالماضي السياسي لهذا البلد العزيز ... تلك صورة مكبرة جسدها مجتمع مصغر تمثل في تعايش مكونات مناضلي و منخرطي فروع أحزاب هذه البلدة ... قد تجد المخلصين و الوفيين لكل حزب ، كما قد تجد النفعيين و المتدبدبين في ذلك بدرجة أغراضهم الشخصية و وعيهم بالعمل الحزبي و السياسي ... لذلك كان المناخ العام للحياة اليومية محكوما بهذه الخلفيات الشخصية و الموضوعية العامة ... كانت مجموعة منظمة العمل الديمقراطي الشعبي ، سابقا ، أو اليسار الاشتراكي الموحد لاحقا ، و كانت مجموعة الاتحاد الاشتراكي ، و حزب الطليعة الاشتراكي ، هي الغالبة على مكونات اليسار السياسي بالبلدة ... و كان حزب الاستقلال متجذرا بأسر عريقة في الانتماء ، ممتلكة لنفوذ اجتماعي على فئات اجتماعية داخل البلدة ، و أملاك فلاحية و عقارية ، و ولاءات نازلة إلى خدم و اسر تابعة ، و صاعدة إلى كوادر حزبية أو أبناء هذه الأسر التي تسلقت في السلم الإداري و المهني لتصل إلأى مناصب عليا في الإدارة و المؤسسات الوطنية ... كانت فئة تنتمي إلى الحركة الشعبية، و هي مرتبطة بتموجات السياسة الوطنية ، تنقلب مصالحها بحسب التوجيهات العليا للحزب و المناخ السياسي ... ناهيك عن العناصر التي تنتقل من حقل و دائرة إلى أخرى ، بحسب تحول مصالحها و من يزكي ترشيحها و يدافع عنها و عن مصالحها ... و من غرائب الأمور في السياسة التي لم تصبح غولا مخيفا ، و ملتهما لمن فكر في مارستها مع الانفتاح الجديد خلال تسعينيات القرن العشرين ، أن انضم من لم تكن له و لو بصاصة علاقة بالسياسة بحزب يساري متجذر في القدم و في خطاب الشيوعية ، فاصبحوا من منخرطيه و من نقابته لكون رئيس حزبه اصبح وزيرا للتعليم ... بسرعة برق وقع التحول من حياة خالية من أي ممارسة سياسية ، مرتبطة بلقمة العيش و العمل البعيد عن كل إيديولوجيا ، إلى حياة مرتمية في بحر لا نتقن العوم فيه ... ولكن نتقن إبداء الرضى للوزير الجديد الذي نعمل في حقل استوزاره ... ربما طريق فئات جديدة للتسلق و الترقي المهني و الاجتماعي ... و كم من مقتنصي محطات تاسيس حزبية أو نقابية يركبون على هذا الأمر ... فتجده بقدرة قادر ، زعيمه الوحيد و مستفيده الوحبد ... هذا اصبح متفرغا نقابيا ، و هذا اصبح ممثلا نقابيا وحيدا داخل قبة البرلمان ... اين هي قاعدة النقابة ؟ حينما نحتاجها نجمع لها حشدا جما و غفيرا ، للتصفيق و التوقيع ...

حينما يكون هناك وعي مشترك و متقاطع بواقع سوسيو ثقافي ، و سوسيو سياسي ن مثل هذا ، يكون اليومي برؤية خاصة و متابعة خاصة ... هي رؤية العلاقات و تفاعلاتها داخل هذه البلدة الخاصة ...

ـ السلام عليكم ..

ـ و عليكم السلام آ ي أحمد ... اين هذه المشية المبكرة ؟

ـ عندنا اجتماع للمجلس آ سي حسن ...

ـ كان الله في عونكم مع أغلبية السي الرئيس القديم الجديد ...

في جلسة مقهى صباحية ، اعتدت عليها يوميا تقريبا مع عادة الاستيقاظ الباكر ، كان لنا هذا التواصل ، و هذا الحوار حول واقع البلدة من جديد ، و واقع التسيير الجماعي للمجلس البلدي ... بين تحليل العقليات و كشف حقيقة السلوكات ، و فضح و ضبط خروقات و اختلاسات ، كان تناول مواضيع سياسة البلدة وربطها بسياسة البلد ، وقع مستمر على الوعي في تجذير الاستنتاجات السابقة و اللاحقة ... بدت الصعوبات في التغيير و تحقيق الطموحات النضالية و نزاهة العمل و المحاسبة للخروقات و الانتهاكات و الاختلاسات ... بدا ثقل النفوذ في حماية الأفراد ن و عدم القدرة على عيش عهد جديد من الديمقراطية كما اُريد لها في الشعارات ... لكنه بدا كذلك تشبث كل واحد منا بمبررات موقفه و سلوكه في الدخول لهذه الانتخابات ..

ـ يكفي آ سي أحمد أنني اخذت البطاقة من أجل التصويت عليك ، إيمانا بما نتقاسمه من قناعات ... أما على المستوى العمومي ، فلا زالت شروط الديمقراطية غائبة ... ها أنت ترى ...

ـ ولكن ، آ سي حسن ... أُتمم معك هذه النقطة و أذهب للاجتماع ، الوقت اقترب ... من سيرصد الخروقات و يضبطها إذا بقينا بعيدين عن المجال ؟ و من سيدافع عن المظلومين و يحمي المال العام إذا بقيت اعيينا و تاثيرنا غائبين عن المتابعة و المحاسبة ؟ هناك مشكل ... لابد من التضحية في المرحلة الراهنة ... تَصوَّرْ أنه حتى موسى الحلاقة ، و السيراج لتلميع حذائه ، يشتريه الرئيس من مال البلدية ... ! كل مرة تذهب البيكوب ، السيارة العجيبة ، مجمَّلة بالتموين من الفه إلى يائه إلى الضيعة ... اللهم إن هذا لمنكر ... !

ـ على العموم النقاش يطول ... أنت عندك اجتماع مع الناس الكبار ، و أنا عندي تصحيح للفروض ... الله يكون في عونك معهم ... لا تنسَ ، الليلة نحن مدعوون لعقيقة عند الأستاذ جواد ، أنت ضمن اللائحة التي كلفني بالاتصال بها ...









تناولنا وجبة و وليمة العشاء بعد دورة حليوات و كؤوس شاي ، دوختني بحكم لبسكريات التي تحتويها ، و عدد الكؤوس التي شربتها ... إدماني على البن ن يجعل تناواي للشاي نادرا ، رغم أن الثقافة الاجتماعية و الشعبي مرتبطة بصينية الشاي ، المغنطيس الجامع لأفراد و الأسر في كل حين و مناسبة ... حتى الجملة اصبحت ملازمة لكل ديبلوماسية اقوم بها مع الأفراد و الأصدقاء : شان كاس نوا تاي ( شي كاس شاي ) ، ( كأس من الشاي ) ...

كان الطُّلبة قد انتهوا من قراءة ما تيسر من الذكر الحكيم ، فرادى و جماعة ... كما انتهوا من الدعاء لصاحب الوليمة و العقيقة و للحضور باليمن و البركات ... هممتُ بالانصراف بعد ذلك ، حينما طلب مني سي جواد البقاء إلى حين ... انصرف سي أحمد البراني و معه بعض الساتذة الذين حضروا و بعض المدعوين ... بقينا نحن ستة من المدعوين إلى جانب افراد اسرته من الذكور و بعش شباب الحي الذين لهم صلة رياضة و صداقة مع سي جواد ...

ـ ماذا هناك آ سي جواد ؟

ـ الشباب ارادوا الشيخات ... فرحة ميلاد ذكر بعد الإناث ... قلت لهم رغبتكم هي الأولى ... الفرقة الفنية بمنزل مجاور ن نصف ساعة و تلتحق بنا هنا ...

ـ هي ما كيان نعاس هذه الليلة ؟

ـ الليالي مثل هذه لا تتكرر كثيرا ...

ـ سيسمعون المنصرفون من الوليمة جرة الكمنجة و هزات البندير ، و يحاسبونك غدا ... دبِّرْ أمرك !

بالفعل ، هناك من رجع إلى جلستنا الاحتفالية بعد أن كان يستعد للنوم بفراشه في منزله ، و سمع بداية الحلف الصاخب ... توعد و لآم الخديعة ... : نحن لسنا مستحقين للنشاط ى سي جواد ؟

ـ ها ما قلنا آ سي جواد ... رددت عليه مورطا له في صنعة مكيدته مع المدعوين .

ـ أنتم ديال المعقول آ سي محمد ... اردت التفواج ، ها أنت رجعت . الليلة لليتك ... هه.

كانت جلستي في زاوية من بيت الضيوف الواسع ... مقابلا لمشهد الحفل و مهيمنا على صورة جماعته من فرقة و ضيوف ... بين إغماض العينين ، و تثاقل جفون ، و بين متابعة حركات الرقص و الغناء ، كان الذهن يربط القدر بين تسميتين ، و شخصيتين ، و حركتين ... بين شخصية يزة الماثلة في الحفل بحركات رقصها الخفيفة الظل ، و المليئة بابتسامات الحياة و جمال النظر لوجهها الوسيم ، و بين تصور شخصيتي رواية تمالوت يزة و يطو لسحن ... تقاسم مشترك لمسار حياة هو ، يتجدد و تتجدد ظروفه و طقوسه من جيل لآخر ...ترى ، هل هذا هو نسق التحليل الطبقي الاجتماعي المستمر عبر الأجيال ؟ ... هل هذه هي إعادة الإنتجا للثقافة و الاجتماع و الاقتصاد ؟ أسئلة كانت تقاوم دقات البندير المتسارعة لرفع الإيقاع ، و لهز البطن المتمايل و اذي يجعل العيون المتابعة في حِول من أمرها و رغباتها ... كانت اسئلة تحتجب معها عيني وراء كف يدي ، لتقلص من اشعة ضوء مصابيح الكهرباء ، و من اثر صدى الصوت الصاخب على شبكة الدماغ ، حتى يسافر في هدوء داخلي داخل هذا السهر الذي يختلط علي بين فن و ضجيج ، فلا أجد له تصنيفا واحدا ، بل متناقضا ، ما دام الذوق قد تعدد عبر الزمان ، و اختلط فيه ملح كل طعام ، فاصبحنا في تخمة من هذا و ذاك ، بتخمة الثقافات التي أخذت تتزاحم على عقلونا و سلوكنا . فتجد دواليبنا بتصنيفات لباس و شخصيات ... أعظمها يوم الجمعة حيث يصبح البعض منا حماما طائرا ، بينما يوم السبت قد يصبح ذئبا أو ثعلبا مقتنصا و مفترسا ...

و بدأ شريط حياة يزة و يطو الأخريتين الغائبتين، مواكبا لشريط غناء فاطمة و يزة الحاضرتين ...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى