محمد عطية محمود - لذة التخفي.. قصة قصيرة

تتأملونني في إطار يحتويني، بعينين خضراوين فاقع لونهما تجذبكم.. تحرسهما أهداب ذهبية، بلون ألق سبائك شعري.. تنسدل على كتفين مستديرين بشمم وإقبال، بين ذقن تحمل صفحة وجه متألق، مشرب بحمرة، وبين صدر رحب يتسع للمزيد من الأحاسيس الجيَّاشة.. يتجهان بي نحو يمين، ويسار الإطار.... وحنين مراوغ إلى مداعبة وجوه غارقة في الدهشة والوله.. تمتد على بساط من خضرة، وشمس متألقة، وزهور.. تتطاير حولها فراشات الأنس والمداعبة.
تسكرني نظراتكم.. تعيد روحي إلى يساري، ويمين الصورة الغارق في سرمدية أحوال هيام موعود، وواعد.. يلاحقها.. يلاحقني.. يغادر بي بقاعي إلى بحور الحلم والانبهار، ولذة التخفي في روح وردة يجتاز عبيرها محيطات وبحار، وأنهار تمتزج برياحين العشق المنطلق، والرهافة، والحنو؛ فتقبع في قاع زجاجة عطر، أيقونة نادرة.. يغتال الأثير ويحل به.. تؤجج فىَّـ اللحظةـ مشاعر الأنثى البكر، التي كان النسيم يتسابق على ألق ملامحها الوضاحة، حتى فى عز الأنواء.
تتفرسون في إطار.. يحتوى ملامح لي، ببشرة بيضاء محايدة بلا تلوين، وعينين غير محددتي اللون، مطرقتين إلى شيء ما خارج الإطار إلى أسفل، ساهمتين.. يجترئ شعر أسود ساقط على جبهتي.. يحجب جزءا علويًا من جفون مثقلة بغموض يجتذب ـ في ظني بعضكم ممن يهوون الجمال الرزين الكتوم، بدلال يخفيه عن الأعين الظامئة، ويعارضه من رآني.. رآها، من تلك الأعين ـ فى أعلى إطار ـ واعتادني.. اعتادها؛ فيُعرِض مستفزًّا بشرودي القاتم، وسترتي الداكنة، التي يبدو جزء منها على حافة أسفل الإطار؛ كمن تداري سرا بين كتفين هابطين للأمام، مخلفين في خلفية الصورة حفرا غائرا لتلك الليالي الطويلة، فاقدة المعنى والبريق، والتي سال سهدها على قلبي، الذي كان يحوِّل العبق إلى معان، والمعاني إلى أشكال وعلاقات تصلح للحياة، والتخفي فيها، وصار يجتر المنطقة ما بين الرمادية والمعتمة، في سجنه الأبدي الموسوم بمواثيق وعهود ترد الروح دائمًا إلى قفص بدن، لا يملك مفاتيحه إلا ذاك الغريب، المغترب في بلاد لا تعرف الدفء.
وتتساءلون في صمتكم المزعج، المتحير: أيهما أكون؟!
هناك.. خارج الإطارين، يقبع عصفور.. يكتسي بلون رمادي معتم ـ لم يختره ـ بلا إطار ترونه، ولكنه ما زال محبوسًا، في إطار جديد للروح والجسد، يتملكني شعوري المتخم بذاك الكيان الجديد الذي صرته بلا تخفٍ.. فأين لي الآن ـ بإطار يضم ملامح لي، كانت، دون أن يعيدني إلى أعلى إطار.. فقط يعيد لى مجرد لذة الـ....

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى