عبد القادر وساط - رسالة من صاحب شرطة نجدان إلى الطاغية بخصوص أبي العباس المبرد

حضرة الطاغية المستبد بالله
السلام على مقام حضرتك، وبعد
فاعلم أني قمتُ بتنفيذ أوامرك المطاعة، واعتقلتُ أبا العباس المبرد، اللغوي والنحوي المعروف، المولود بمدينة البصرة سنة 207 للهجرة، ودونتُ أقوالَه في محضر سأوافيكم به في أقرب الآجال. وقد صرح لنا هذا اللغوي، بعد اعتقاله ،أنه أخذَ النحو عن أبي عمر الجرمي وأبي عثمان المازني وأبي حاتم السجستاني وعن شيوخ آخرين. كما اعترف أنه انتقل في شبابه إلى بغداد، حيث صار إمام العربية في ذلك الزمان. ومن ضمن أقواله أيضا أنه كان - مع شهرته باللغة والنحو- شاعرا أديبا. كما أنه اعترف دون أدنى صعوبة أنه توفي سنة 285 للهجرة، وأنه ترك مؤلفات مشهورة، منها: كتاب " الكامل في اللغة والأدب والنحو والتصريف" وكتاب " المقتضب"
ولما سألناه عن كيفية النطق باسمه، لأن هناك من ينطقه ( المُبَرَّد) بفتح الراء المشددة، بينما نحن في نجدان ننطقه ( المبرِّد) بكسر الراء المشددة، كان جوابه: " النطق الصحيح هو المبرِّد بكسر الراء... وقد قال الشيخ الشنقيطي في هذا بيتَهُ المعروف:
( والكسْرُ في راء المبرد واجبٌ = وبغير هذا ينطق الجهلاءُ )
وسألناه - يا مولانا الطاغية - عن خلافه الشديد في اللغة والنحو مع النحوي أبي العباس ثعلب، فكان جوابه: " لقد كان ذلك الكوفي يهابني لأنني - كما شهدَ بذلك الدينوري، وهو زوجُ ابنته- حسَنُ العبارة، حلو الإشارة، فصيح اللسان، ظاهرُ البيان .
ثم سألناه يا مولاي - أدام الله طغيانك واستبدادك - عن السبب الذي كان يجعله يتردد باستمرار على المارستانات، التي يعالَج فيها المجانين، فكان جوابه: " للمجانين طرائف من الكلام وعجائب من الأقسام، وقد كنت أدخل إلى مستقرهم وأرى مراتبهم على مقدار بليّتهم، فمنهم من شُدّت أيديهم إلى الحيطان بالسلاسل، ومنهم من يُحْلَبُ على رأسه وتُدهن أرداؤه، ومنهم من يُنْهَلُ ويُعَلُّ بالدواء... وقد كانت لي مع بعضهم أحاديث عجيبة في اللغة والشعر والأدب، تجدونها في كتب التراث..."
وسألناه عن هذا البيت الشعري المنسوب إليه ( حبَّذا ماء العناقيد بِريقِ الغانيات) فكان جوابه: " هو ليس شعرا منسوبا إلي، بل أنا قائله... وقد كان ذلك في بعض مجالس الأنس، التي كنتُ أرتادها بانتظام..."
ثم سألناه، يا مولاي، عن السبب الذي جعله واحداً من اللغويين القلائل الذين تحمسوا للشعر المحدث ووقفوا منه موقف القبول، فكان جوابه: " إن النحويين أصحاب قواعد وضوابط وقياس، أما الشعراء المحدثون فهم لا يبالون عادة بما يقتضيه القياس، ولهذا نجد أن العديد من اللغويين كانوا قساة على أولئك المحدثين. أما أنا فقد كان موقفي توفيقيا، جامعا بين القديم والحديث... بل إنني اتخذت الشعر المحدث مادة في تدريسي... ولا يخفى عليك - يا صاحب الشرطة - أنني كنت من المعجبين بأبي نواس، كما أشرتُ إلى ذلك في كتاب ( الكامل)..
هذا ما كان من أجوبته يا مولاي. وهو الآن في المخفر، في انتظار أوامركم بشأنه.
مع كامل الإجلال لطغيانكم يا مولاي المستبد بالله .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى