عبد القادر وساط - أحلام الطاغية

جاء في الجزء الثلاثين من كتاب " الإتحاف":
حدثنا ابنُ الخرشاء، عن أبي المجالد الشيباني، عن شيخنا أبي الفضل النجداني، قال:
استيقظ الطاغية مرة من نومه، وذلك في جوز الليل، وسكان القصر نائمون، فدعا صاحبَ الشرطة وقال له:
- علَيَّ بالعالم ابن سيرين، فإني رأيتُ حلما ينبغي تأويله في أقرب الآجال.
فنظر إليه صاحب الشرطة مستغربا وقال له:
- يا مولاي الطاغية، ابنٰ سيرين انتقل إلى جوار خالقه منذ زمن طويل.
قال الطاغية:
- لقد غاب عني ذلك، إذن فادع الشيخ محمد السلافي، وزيرَنا في الأحلام.
قال الشيخ أبو الفضل النجداني:
فلم تمض ساعة حتى جيء بالوزير المسكين، وقد داخله الرعب، وهو يجهل سبب استقدامه في ذلك الوقت من الليل. فلما رآه الطاغية، قال له:
- هو حلم غريب رأيته الليلة، أيها الشيخ، وأنتظر منك تأويله... فقد رأيتُني وحيدا في قفار يَحارُ بها القَطا، ثم ظهرَ لي شخص لا أعرفه، وأشار إليّ بأن أتبعه فتبعته مشيا على القدمين، وكان هو يركب ناقة عُمانية، فصعدنا ربوة عالية، وهو لا يلتفت إليّ حتى بلغنا ماءً خلف الربوة، وقد أجهدت ونال مني التعب، وداهمني عطش شديد، فنزل واستل سيفه وأنا لا سلاح لي، وحالَ بيني وبين الماء، ثم نظرَ إليّ طويلا وقال لي:" يا صاحب نجدان، ألم تعرفني؟ إني أنا القائل:
سأفصل يوماً بين هامٍ و أبدانِ = و أدخل منصوراً إلى قصر نجدان
فلما سمع الوزيرُ حلمَ الطاغية، قال له:
- يا سيدنا المستبد بالله، لا يمكن تأويل هذا الحلم إلا بعد معرفة قائل هذا البيت.
فعندئذ أمر صاحبُ نجدان بإحضار وزير الشعر، فتمّ إحضاره في الحين، فسأله عن صاحب البيت المذكور، فبهت الشيخ ولم ينطق بجواب. ثم جيء بعد ذلك بشيوخ اللغة والأدب، فما من أحد منهم عرف القائل، ولم يزل الأمر كذلك إلى أن جيء بوزير الجن، وهو الشيخ الحسن المنديلي، المعروف بقلب اللوزة، فقال للطاغية:
- يا مولانا المستبد بالله، هذا البيت لشاعر من الجن، يدعى برقان بن سليط، وهو خبيث، من بني الشيصبان، يسكن المزابل، ويملي الأشعار على الإنس. وهو الذي أملى على ابن الدمينة قصيدتَه التي يقول فيها:
هلِ اللهُ عافٍ عنْ ذُنوبٍ تسلّفَتْ = أمِ اللهُ إنْ لم يَعْفُ عنها يُعيدُها
وهو الذي أملى على اللص أبي النشناش النهشلي قوله:
فمُتْ معدما أو عشْ كريماً فإنني = أرى الموتَ لا ينجو من الموت هاربُهْ
وأملى على أسماء بن خارجة قوله:
إني لَسائلُ كلّ ذي طبِّ = ماذا دواءُ صبابة الصبِّ ؟
وعلى ابن الغريزة النهشلي قوله:
دَعاني دعوةً و الخيل تَردي = فما أدري أباسمي أم كَناني
وأملى على عليّ بن أبي كثير قصيدته المشهورة في وصف تأثير الخمر، ومن أبياتها:
فرُحْتُ أجوبُ الأرضَ ، أرْكَلُ مَتْنَها = إذا هي مالتْ بي فيَعْدلُها رَكْلي
قال الطاغية:
- قاتل الله هذا الجني، ما أشعره!
ثم التفتَ بعد ذلك إلى والي سجن الكثيب وسأله:
- أخبرني أيها الشيخ، أليس في سجن الكثيب جناح للجنّ؟
قال الوالي:
- بلى أيها الطاغية .
فنظر إليه الطاغية نظرة ازدراء وقال له:
- فما بال هذا الجني الخبيث ينعم بالحرية في بلاد نجدان؟ إني آمرك باعتقاله فورا وبوضعه مع أفراد قبيلته من بني الشيصبان، المحكومين بالأشغال الشاقة! واعلم أني لن أرحمك إن هو استطاع أن يتسلل مرة أخرى إلى أحلامي!
قال الشيخ أبو الفضل النجداني:
فلما انتهى المستبد بالله من كلامه أشار إلينا بالانصراف، فقمنا وغادرنا القصر ونحن نعجب من طاغية لا يكتفي ببَسْط سلطانه على الجن، ولكنه يريد أن يمنعهم حتى من النفاذ إلى الأحلام!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى