حسن أبوبكر المغربي - صوفي يتكلم

عقل لا يؤمن بالمعجزة هو عقل مريض، العالم كله أسرار، حياتنا، كوكبنا، أرواحنا، لا يمكن أن ندعي الحقيقة ونؤمن بالعلم فقط، أكبر خدعة تعلمها الإنسان هي الوثوق بالعقل الذي عمل على تأكيد مشروعيته سقراط، ذلك الرجل الذي طالما صرّح بأنه لم يكن يعرف إلا شيئا واحدا، هو أنه لا يعرف. لقد كان السفسطائيون على حق حينما نقدوا أصول الذوق، وقالوا بالنسبية في الأخلاق والعدل والخير والشر، حيث كانوا يعتقدون بأنه حتى لو وجدت إجابات عن الأسئلة الفلسفية الكبرى، فإن الإنسان لا يستطيع الوصول إلى يقين فيما يخص ألغاز الطبيعية والكون. نعم! (الإنسان هو مقياس كل شيء)، ومن خلال ذواتنا وما نحس به تجاه الطبيعة نستطيع أن نحيا بسلام، وجود الله والأمان الروحي لا يحتاج منا إلى براهين عقلية، النظرة الصوفية إلى الكون هي الأقرب للحقيقة، نحن المتصوفة نختلف عن الفلاسفة وعلماء الذرة، الفلسفة والعلم يبحثان عن الحقيقة باستخدام التجربة والقياس، أي من خلال البرهنة على الصواب، هم على نقيض والفكر الصوفي الذي يبحث عبر الذات.. فالذات العارفة تفكر دائما في(الواحد) والاتحاد به والفناء فيه، هذا هو مطلبها الأسمى، وهذه الغاية لن تتحقق إلا بالمجاهدة والتصفية والدأب على حياة الوجدان والروح، لقد كان حلم أفلوطين وأمنيته العذبة، لكنها لم تتحقق له سوى أربع مرات في ظروف غامضة، لم يستطع هو نفسه التحدث عنها بوضوح، ليس من السهل على المرء أن يقتنع بجدوى النظريات العلمية في كل شيء بالعالم، فالزمن قد لا يكون صحيحا، وحساب السنين والأشهر والأيام التي نحددها بالساعات قد تكون هي أيضا مضللة، أول خطأ في توصيف الظاهرة العلمية قد يترتب عليه في المستقبل كارثة كونية، لماذا لا نتخيل أن هناك بالعصور الماضية حضارة أكثر حداثة من حضارتنا اليوم، حضارة على علم ومعرفة بأدق تفاصيل أسرار الكون، لكنها تختلف من حيث الطريقة والأداة في الكشف عن الظواهر الطبيعية، لماذا نثق في الرؤية البصرية وحدها حينما نتحدث عن عالم الغيب، ونظن دائما بأننا على صواب، لذة التنقيب عن الآثار لازمة تكمن في داخلنا، كلنا نسأل عن الماضي، ماضي أسلافنا، ماضي ذواتنا، ونخاف من المجهول الذي نطلق عليه أحيانا المستقبل، وأكثر شيء يؤرقنا ليس الموت، بل الحياة ومستقبل الروح بعد الموت، سؤالنا الخالد ماذا بعد الموت، وهل هناك إمكانية نتعرف من خلالها على هذا السر الأكبر، يلجأ بعضنا إلى الكهان والدجالين والمنجمين، وبعضنا الآخر يرتمي في أحضان الدين، تلك الديانة التي آمن بها الأسلاف، ووجد نفسه عليها منذ أن تعلم الكلام ودخول الحمام دون مساعدة، وهناك آخرون اختاروا السعي وراء اللذة باعتبارها الثيمة الرئيسة لوجود البشر، ليس ممكنا التعبير عن مسرات النفس بالطريقة ذاتها التي نعبر بها عن الألم، هذا واقع نتفق عليه جميعا دون أدنى تفكير في صحته أو عدم صحته، مع أن مصدر الألم واللذة هي الروح ذاتها التي تتحكم في إرادتنا وتسيطر على أفكارنا، الاعتقاد بوجود أرواح شريرة يعد بالنسبة للعقليين خرافة لا معنى لها، فعالم الجن وما رافقه من غيبيات ظل (وما زال) إلى يومنا هذا مجرد فكرة هشة لم تصمد طويلا أمام صلابة العلم، فالتفكير العلمي كان لعدة قرون قابضا على الحقيقة من خلال العقل، والعقل كما هو معروف ليس هو الأداة الصالحة لإدراك الوجود، لأن هذا مطلب فوق مقدوره، وأكثر مما يستطيع، لطالما حاول العقليون دون جدوى اقتناص صور فوتوغرافية لصحون الفضاء أو مخلوقات غيبية، كي يثبتوا للعالم مدى أهمية العلم في كل شيء، كانوا يطاردون الأشباح في كل مكان كما لو أنهم أشباح، أشباح المادة) الكاميرات (هي أيضا قامت بالتجسس والملاحقة، لكنها فشلت في كل محاولة، ويعود مصدر الفشل إلى اعتبارات منهجية، فكيف يتصور العالِم معرفة كل ما يجهله من خلال أداة أو جهاز تم اختراعه وفقا لمعرفته التافهة بالأشياء، فالجهل لا يمكن الاعتماد عليه في البحث عن المجهول، كذلك العلم، هل يمكن أن نبحث عن ما هو معلوم ؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى