بين أحمد بوزفور و عبدالقادر وساط

* من أحمد بوزفور

أعجبني تلقيب وزير الشعر للطاغية ب ( المستبد بالله ). فهو لقب إشكالي يليق بطاغية إشكالي. هو أولا لقب مستحدث لا نظير له حسب علمي في ألقاب الملوك الأولين والآخرين.. ثم هو ثانيا لقب متناقض الظاهر أيديولوجي الباطن، لأن المستبد هو الذي ينفرد بالقرار ويعتمد على نفسه في الحسم ولا يستشير أحدا ولا يتكل على أحد، وقد تمنى عمر بن أبي ربيعة على صاحبته هند أن تطرح آراء أهلها وتنصت إلى عاطفتها وتستبد برأيها ولو مرة واحدة:
( واستبدت مرة واحدة = إنما العاجز من لا يستبدّْ )
فكيف يكون الحاكم مستبدا ثم مستبدا بالله؟ وهل يتخذ الله سترة أيديولوجية في الظاهر بينما يستبد برأيه في الحقيقة؟ أقترح على علماء الاجتماع السياسي بنجدان أن يناقشوا هذا اللقب الإشكالي ويبسطوا لنا مصدره ووظائفه ونتائجه السياسية.
أما عن حسمى فأحب أن أضيف إلى شعرها ما قاله جميل بثينة:
( وقالوا ياجميلُ أتى أخوها = فقلتُ أتى الحبيبُ أخو الحبيبِ
أحبكَ إن نزلتَ جبال حِسْمَى = وإن ناسبتَ بثنةَ من قريب )
فهل كانت بثينة تنزل ( حِسْمَى ) ؟ ممكن .. فياقوت يقول إن حسمى جبال قريبة من وادي القرى ببادية الشام. ووادي القرى هو منبع الشعر العذري في العصر الأموي. وعلى ذكر المتنبي فقد كان معجبا بحسمى، ويروي الرواة أنه قال عنها ( أطيب بلاد الله ). على أنه إذا أحب البلاد فلم يحب البشر، وما حب من سكن الديار شغف قلبه بل حب الديار نفسها، فقد هجا أحد سكان حسمى بقوله:
( مررنا منه في حِسْمَى بعبد = يمُجُّ اللؤم منخرُهُ وفُوهُ )
والطريف أن العكبري في شرحه لشعر المتنبي يقول عن حسمى إنها موضع فيه آخر ماء صُبَّ من ماء الطوفان. أي أنها تقابل الجودي. الجودي أول برّ ظهر من الطوفان، وفي حسمى آخر ما بقي من ماء الطوفان . وأنتم ياعلماء الطاغية ووزراءه وشعراءه... من منكم يتوسط لي عنده ليلحقني بوفد رحلة المتنبي خادما للعلماء أحمل خرائطهم وأستفيد من نتائج رحلتهم.. جزاه الله عني وعن عشاق المتنبي خيرا؟؟


***


** عبد القادر وساط


أخي أحمد بوزفور
صديقي العزيز
لماذا تراجعتَ عن فكرة مرافقة علماء نجدان، في رحلتهم الغرائيبة لاستكشاف الطريق التي سلكها أبو الطيب المتنبي، لما هرب من فسطاط كافور متوجها إلى الكوفة؟
أنا في الحقيقة كنتُ أفكر في مصاحبتك إلى تلك الديار. بل إنني كنت عازما على إيجاد نجائب مناسبة لسفرنا معا، وهي نجائب من الصنف الذي قال فيه أبوالطيب:
تُبَدّلُ أيامي و عيشي و منزلي = نجائبُ لا يُفْكرْنَ في النحسِ و السعْدِ
و كنت أحلم أن نضرب التيه نحن أيضا ضرب القمار، إما لهذا وإما لذا، وأن نردد - حين نبلغ الموضع المسمى بالنقاب - ما قاله أبو الطيب هناك:
و أمستْ تُخيرنا بالنقاب = وادي المياه و وادي القرى
ثم نبلغ حسمى فنستطيب هواءها كما استطابه ( الزعيم )، وبعد ذلك نقصد ( الكفاف) و( كبْد الوهاد) و نتمثل بقوله:
روامي الكفافِ و كبْد الوهاد = و جار البُوَيْرة وادي الغضى
ثم نجوب بُسيطة جوب الرداء، بين النعام و بين المها، ونبلغ عقدة الجوف ونسقي بالجراوي ونقصد البرية والأضارع، حيث بنو جعفر بن كلاب، وعندما ننيخ نركز الرماح ونتغنى بأبيات من قصيدة شاعرنا:
فلما أنخْنا ركزْنا الرماحَ = فوق مكارمنا و العلا
و بتنا نقبّل أسيافَنا = ونمسحها من دماء العدا
لتعلم مصر و من بالعراق = و من بالعواصم أني الفتى
و أني وفيتُ و أني أبَيت = و أني عتوتُ على من عتى

فلمَ أحجمتَ يا صديقي العزيز عن هذه الرحلة الفريدة؟
وكيف استطاع صديقنا الشهبوني أن يثنيك عما كنتَ اعتزمتَه؟
ومنذ متى كنتَ تحسب حسابا للمستبد بالله أو توقره أو تخشاه؟!
واعلم أني لم أفقد الأمل بعد وأني سأنتظرك في المكان الذي اتفقنا عليه بعد هروبي من سجن الطاغية.

===========

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى