عبد القادر وساط - رسالة من سجين الكثيب إلى إخوانه وأصدقائه

صباح الخير أيها الإخوة و الأصدقاء .
وتقبلوا خالص الشكر على تضامنكم الرائع في هذه المحنة التي طالت و استمرت، هنا في سجن الكثيب، حيث شتاؤنا زمهرير كئيب وصيفنا حر ولهيب. وحيث حُرمنا من كل متع الدنيا كما تعلمون. أما الأنترنيت، فإنما أذنَ به الطاغية ساعة في اليوم، ذراً للرماد في العيون!
وقد فطنَ صديقي الكبير سي أحمد بوزفور - وهو يرى صورتي في السجن - إلى أن الطاغية لم يأمر بتكريط شعور السجناء، كما جرت بذلك العادة، والحق أن تلك الصورة التي يتحدث عنها سي أحمد مأخوذة في أكتوبر 2014، أي في الوقت الذي كنا ننتظر فيه زيارة اللجنة الأممية لحقوق الإنسان. ولهذا آثر صاحبُ نجدان الإبقاء على شعورنا، خوفا أن يأتي الأمميون فيجدونا في حالة مزرية من ( اللاشعور)!
ومن دهاء الطاغية أنه حبسَ معنا الجنّ في هذا المكان. حتى إذا جاء الأمميون وشكونا لهم ما يصيبنا من أذى على أيدي هؤلاء الجن، صرنا في موقف لا نُحسد عليه. أما إذا نحن لذنا بالصمت، فإن هذه المخلوقات الشرسة ستستمر في التنكيل بنا، كيف شاءت وشاء لها الطاغية!
وقد حكى لي أحد الرفاق - الذين تم اعتقالهم، دون محاكمة، في ما يُعرف " بمؤامرة المنسرح " - كيف رأى في زنزانته جنياً من قرية نُصَيبين، وهي قرية كانت للجن فيما مضى، فلما جاء الإسلام أخرِجوا عنها، وصاروا يَعرضون للآدميين بكل أنواع الشرور.
بل إن الغول نفسها تأتي إلى الكثيب ليلا. وقد رأيتُها بأم عينَيّ. فإن كنتُ واهما، فالتمسوا لي الأعذار. ورحم الله الجاحظ الذي قال: " إذا استوحش الإنسان مُثّل له الشيء الصغير في صورة الكبير، وارتاب وتفرقَ ذهنه وانتفضتْ أخلاطه، فيرى ما لا يُرى و يَسمع ما لا يُسمع ويتوهم على الشيء الصغير الحقير أنه عظيم جليل."
ومن دهاء الطاغية وحسن تدبيره أنه جعل أختنا المحترمة " دلال جاهد" تظنّ أنّ هذا السجن مجردُ حلم أو وهم لا أساس له من الواقع. وما ذاك إلا لصفاء نيتها وخلوص سريرتها. ذلك أن صاحبَ نجدان قد فرض علي أن تؤخذ الصورة في مكتب والي السجن، جالسا على أريكة، وبثياب غير ثياب السجن، حتى يظن الإخوة الطيبون - ومنهم أختنا دلال- أن حديثي عن ظروف السجن مجرد اختلاق وتخريف!
أما فيما يتصل بالمناظرة، فقد أوصتني الأستاذة فتيحة الرياحي - مشكورةً- بمداراة الطاغية. علما بأن المداراة نفسها - في قانون نجدان - تعرض صاحبها للسجن والحرمان!
أما المناظرة العادلة، التي طالبَ بها صديقي العزيز محمد الشهبوني فهي عسيرة المنال. وكيف تكون المناظرة عادلة، وقد حرمنا الطاغية من كل المراجع في هذا المعتقل، وأمر بإحراق كل كتب اللغة وكل الدواوين، باستثناء " مجاميع " بعض " الشعراء" و" الشواعر" من معاصرينا، وهي مجاميع يعرف الجميع مستواها!
كما أنهم يفرضون علينا - في الكثيب- حفظ َ المدائح التي ينظمها الشعراءُ المنافقون في الطاغية، مثل قول أبي يعقوب الخزيمي:
يُلامُ أبو الفضل في جُوده = و هل يَملك البحرُ أن لا يَفيضا
وأبو الفضل كنيةُ الطاغية، كما هو معروف.
ومثل قول أشجع السلمي:
يريد الطغاةُ مَدى ابنِ عَليٍّ = و لا يَصنعون كما يَصنعُ
و كيف ينالون غاياته = و همْ يَجمعون و لا يَجمعُ
و ليس بأوسعهمْ في الغنى = و لكنّ معروفهُ أوسَعُ
و مثل قول أبي الفضل أحمد بن الحسين :
أ أفريدونَ في التاج = أمَ انّهُ ليثُ نجدان
إذا ما ركبَ الفيلَ = لحربٍ أو لميدانِ؟
وكيف لمن يُفرض عليه أن يحفظ هذه المدائح أن يبقى قادرا على المناظرة مع الطاغية؟
وعلى حد تعبير صديقي عبدالقادر بلگيد، فإن السجين ( غارق غارق) كيفما فعل. ولا شك أن سي عبداللطيف الرگادي يتخيل مدى المعاناة مع هذا الطاغية، هو الذي خبرَ معي صنفا آخر من الطغاة قبل سنوات. أما ما يزعمه أخونا الرباوي عن شرخ الشباب، فكلام يُبتغى منه تلميع صورة الطاغية، لحاجة في نفس شاعرنا الكبير.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى