رسائل الأدباء : رسالة من أحمد زكي أبو شادي إلى مجلة الرسالة

12 - 09 - 1949

تفضلتم في عدد (الرسالة) المؤرَّخ 22 أبريل سنة 1946 بأُمنيَّاتكم الودِّية لي وأنا في طريقي إلى أمريكا، وكان تلطفكم هذا تعليقاً على رسالتي إليكم التي هي آخره ما كتبتُ إلى أصدقائي الصحفيين في مصر، فجعلتكم رمزَ مَن أُقدِّرهم من رجال المهنة التي لستُ غريباً عنها، ولذلك أحرص على ألا تشوب مودَّتنا أية شائبة، ولذلك يؤسفني - وأنتم تعلمون مبلغَ إعزازي الشخصي لأدبكم، ومهما يكن مبلغُ تقديركم لحرية النشر - أن تنشروا ما نشرتم ضدِّي في عدد الرسالة رقم 842 المؤرَّخ 22 أغسطس سنة 1949 دون أن تُقابلوا مودَّتي المحرَّبة لكم بكلمة استفهام خاصَّةٍ ترسلونها إليَّ قبل أن تسمحوا لمنبركم العالي بترديد مطاعن جارحة في أخلاقي وفي محبتي لمسقط رأسي، اعتماداً على كلمة يذيعها صاحب جريدة اشتهرت بتلفيق الأخبار كما اشتهرت بمجانبتها حرية الرأي، وقد بلوتُها من قبل تكراراً، ولا ينبئك مثل خبير

إن كاتبكم الفاضل على غير علم - على ما يبدو - بقانون الجنسية المصرية، كما أنه لا يعرف مدلول (الجنسية المزدوجة) التي يتمتع بها آلاف الأفاضل بل العظماء والمتفوقين من اللبنانيين في أمريكا حتى يتمكنوا من الانتفاع بحقوقهم المدنية بهذه البلاد أولئك الذين تمجدهم الحكومة اللبنانية ذاتها وتفتخر بهم بأعلى صوتها، وقد صفق لهم حافظ إبراهيم بك وهتف بمديحهم وبالدعوة إلى التشبه بهم، فهتف المتعلمون من المصريين، بل ومن جميع أقطار الضاد بعده وأمَّنوا على مديحه. ولستُ إلا أحد القلائل من المصريين الذينَ جاورهم، ولن أستفيد من هذا الحق إذا شئتُ إلا بعد استئذان حكومتي المصرية.

وأن ما نشرته (أخبار اليوم) ضدي ليس إلا مثالاً من الجحود الظاهر العنيف جزاء لخدماتي لوطني الأول في شتى البيئات ابتداء بهيئة الأمم المتحدة وانتهاء بجامعة نيويورك فضلا عن منابر الصحافة الحرة الراقية وفي مقدمتها (الهدى) و (السائح) و (النيويورك هرالدتربيون) بعد أن حال الرقيب دون نشر آرائي الحرة في مصر، ولحمتها وسداها الدفاع عن صوالحها العليا وعن معاملها وفلاحها وعن حرياتها العامة وعن عرش مصر.

أما ادعاء انحرافي عن الكرامة الوطنية والقول (بأن مصر لا تستحق جموحي عليها إ لسبب واحد هو أني من أبنائها، وإن كانت كفرت عن ذنبها بلفظي وقذفي إلى ما وراء البحار)، فجوابي على هذه الفلسفة الباطلة من أساسها أن مصر ذاتها أكرم من أن تصنع ذلك برجل خدمها طول حياته وبسليل أسرتين عريقتين لم تعرف عنها إلا محبة مصر والتضحية لها، وما تركت مسقط رأس إلا وأنا المحب له والباقي على محبتي. أجل، من الظلم توجيه هذه التهمة إلى مصر الخالدة التي اتسع صدرها وحلمها لآلاف المرتزقة والوصوليين وشذاذ الآفاق وقليلي الأدب.

بقيت الأوصاف الكريمة التي نعت بها أدبي وشعري، وهذه من حق ناقدكم التلفظ بها وتدوينها وسأعمل على اطلاع أدباء المهجر عليها حتى لا يقعوا في نفس الغلطة التي وقع فيها زملائهم بمصر وفي غير مصر من أقطار الضاد، فيتجنبوا المغالاة في تقديري وقد يرون حينئذ أني غير أهل لأي تقدير. . . كذلك سأعمل على اطلاعهم على الآراء النيرة الأخرى ليعرفوا مصادر عبقرية خليل مطران بك وعلى من تتلمذ في مصر!.

وإني إذ أرجو إليكم التفضل بنشر رسالتي هذه أهدي إليكم تحيتي واحترامي.

(نيويورك)

المخلص
أحمد زكي أبو شادي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى