ديوان الغائبين ديوان الغائبين : محمد البقلـوطي - تــونس - 1957 - 1994

ولد محمد البقلوطي بمدينة صفاقس في الخامس والعشرين من مارس عام 1957 وفيها أيضا فارق الحياة وهو في الثامنة والثلاثين من عمره بسبب مرض السكري الذي أفقده بصره ثم تدهورت صحته شيئا فشيئا لتكون نهايته يوم 12 ماي 1994.

- زاول تعليمه الابتدائي في مدرسة الإسعاد الابتدائية بصفاقس حيث تحصل على الشهادة الابتدائية سنة 1969
- التحق بالمعهد الثانوي طريق قابس في صفاقس ليحرز شهادة الباكالوريا سنة 1977.
- انتسب بعد ذلك إلى كلية الآداب بتونس (9 أفريل) لمتابعة الدروس في التاريخ والجغرافيا.. ونظرا لظروفه الاجتماعية والعائلية الصعبة، حيث فقد أبويه في ليلة واحدة وهو صغير واضطر في أوقات فراغه إلى العمل من اجل إخوته حمّالا وفحّاما وفي سوق الخضر، انقطع على متابعة دراسته في كلية الآداب والتحق بدار المعلمين بتونس ليتحصل منها على شهادة ختم الدروس الترشيحية سنة 1980.

- تم انتدابه معلما فامتهن التدريس حوالي عشر سنوات كان خلالها يكتب الشعر والنقد وقصص الأطفال وينشر إنتاجه في الصحف والمجلات التونسية والعربية وبعد أن أصدر مجموعته الشعرية الأولى (في موسم الحب) سنة 1983 والتي كتب تقديما لها الأستاذ المنجي الشملي، لفت محمد البقلوطي الأنظار إليه وحصل على عضوية اتحاد الكتّاب التونسيين سنة 1984.


الجنرال

الجنرال. ..
هادئا يتمشى على حافة الماء
زوجته معه
وابنه خلفه يلعب بالحصى
ألقى الصبي واحدة. .هكذا
فزع الجنرال
لم يعد يرى وجهه على صفحة الماء
صرخ عاليا. ..
وجهي. ..رد لي وجهي
رد وجه وجه أبيك صاحت الأم
كف عن اللعب. ..بالرصاص.

تونس
جوان 1990

***

سمر

حلم وأفلت من مقلتي
فراشة من حليب وحلوى. ..تكسرت بين يدي
عيد وفر
قمر تطاير نصفين
فانخلع الفؤاد
وانخطف الحجر
سمر
سمر. .حلو ومر
دمعة. .وربابة
قمر بين الضلوع وذاب
شجر باسق في طريقي. ..وغاب
واطرق الباب.:فلا تهفو سمر
فأنادي :
يا مواعيد المسا. ..ردي إلى سمر.

محمد البقلوطي

***

حرية

كان يصرخ من خلف القضبان
اغيثوني. ..أسرعوا. ...
قطعة من السكر
قطعة واحدة من السكر
أسرعوا. ..
سأعترف بكل حماقاتي
بجميع قصائدي
بالذنوب التي. .لم ارتكبها
أسرعوا. ..
لم يسرع تحد إليه
خفت الرجل. ..اطلوا عليه
منهدا على الارض كان
وعصفورة ميتة بين يديه
يناولها أصابعه. .ويقول لها. ..
لم أجد لك حبة سكر. ..يا عزيزتي.

......
محمد البقلوطي

***

قصيدة التفاح

شباك بيتي منخطف
فشباك بيتك أعلى
ولقد ترحلين غدا
أرجوك إذن
ارسمي الليلة نهديك تفاحا
فوق زجاج الشباك
فالليلة قد يفاجئنا رذاذ ما قبل الصباح
فتنزل إلى شباك بيتي مرة
مثلما أشتهي...
روائح التفاح.

......
محمد البقلوطي

***

سمراء

اغني صباحا مساء
لسمراء من حينا

ويكبر حلمي بها
يصير بحجم السماء
اغني كطفل
لتفاحها السكري
لورد العشايا
على خدها المزهر
وأرسل قلبي
لشباكها المقمر
حماما يرفرف بالحب مل بيننا

اغني في متاهاتي
لحب الماضي والاتي
فيا أحلى فراشات الهوى. ...لم يمت حبنا
لم يزل يانعا كالشجر
ساحرا كالقمر
رائعا كالسماء
وأنا لم أزل كلما
رفرف بلبل أو شدا
اغني ويحلو الغناء
لسمراء من حينا
أرى قلبي يناديها
تعالي زهرتي حبي
فيهفو كل ما فيها
ويصبو القلب للقلب
ويعلو حلمنا
ويحلو همسنا
ويبقى حبنا
شذيا بيننا
وأرى قلبي يغني
مثل عصفور يغني
فاغني
اغني صباحا مساء
لسمراء من حينا
ويكبر حلمي بها
يصير بحجم السماء
............

محمد البقلوطي




***



نوارة الموت

أينعت دمعتي في عناقيدها
فبكى القلب نهرا وفاض
قلت ما لي أنا
ما لعمري يمضي سريعا
أاترك خلفي بلادي بألوانها وبنوّارها
وبأحلى حبيبات عمري
وأرحل مثل الخطاف
أنا ..أنا لا أخاف
غير أني متى شدّني الموت من عنقي
ومشى بي خطو ثقيل
لم أكن وقتها جاهز للرحيل
كان عندي قصيد جديد ليلى
أشع ولم يكتمل
كان ندي كلام كثير لزهرة
أنا لم أقله لذلك لم أحتمل
كان عندي رفاق كثيرون
جاؤوا تباعا من البار
يبكون حولي
يقولون لي : لا تمت يا محمد
يقولون لي : هزّ غصنك أعلى
وأطلق طيورك
دعها تغرد
يقولون لي :
انت أروع من خمرة
أنت أينع من زهرة ين خضر الضفاف
فلماذا أموت سريعا
لماذا اموت سريعا
وأترك خلفي ونوّارها
وبأحلى حبيبات عمري
وأرحل نوارة في الجفاف
إلاهي حبيبي
لقد ضيّع القلب بستانه
فمشى الورد في الطرقات كئيبا عليّ
إلا هي حبيبي
سطت يديّ إليك
فما نوّرت نجمة في طريقي ولا أزهرت عشبة في يديّ
إلا هي حبيبي
ألست القدير على طل شيء؟
أم ترى عاجز أنت عن فتح صدري
لكي تصر ما جرى في عروقي وفي كليتي
إلا هي حبيبي
أنا لي هديل العشايا
ولي نزق الطير وقت المغيب
إلا هي حبيبي
لقد تعبت أضلعي من بياض الأسرة ومن غموض الطبيب
فخذني لبيتي
أعدني لبيتي
ودعني لبيتي
ودعني أحب حبيبي
ودعني أحب حبيبي
أنا عاشق يا إلاهي
وعندي جنوني، وعند لهيبي
أنا لي حنين الصباح إلى الأزرقين
وعتدي غناء الدوالي فراشا يرف على طرف عيني
وعندي ما يملأ الأرض الياسمين لأصلح ما ين روحي وبيني
فكيف إذن حنتني مرتين ؟
وكيف تدا الخطاف ؟ لماذا تداع الخطاف ؟
ولماذا أموت سريعا؟
لماذا أموت سريعا ؟
وأترك خلفي بلادي بألوانها ،وبنوّارها
وبأحلى حبيبات عمري
وأرحل نوارة في الجفاف

لم أمت
ها أنا لم أمت
غير أني رجعت إلى حقل عمري
تماما كما نبتة ذابلة
أتملّى جراحي
واحصى إنكسارات عمري
وأكي على خطوتي القاحلة
لم أمت
غير أني ندمت على فرصتي الرّاحلة
لو تركت الحديقة ترتاح من وردها
لو تركت البلابل تيبس في عشّها
لو تركت العناقيد تبكي على بعضها
لأرحت الأحبّة من حلمها
إنّما كان عندي قصيد جديد لليلى
أشع ولم يكتمل
كان عندي كلام كثير لزهرة
أنا لم أقله
لذلك لم أحتمل
كان عندي رفاق كثيرون
جاؤوا تباعا من البار
يبكون حولي
يقولون لي :
لا تمت يا محمد
يقولون لي :
هزّ غصنك أعلى
وأطلق طيورك ، دعها تغرد
يقولون لي :
أنت أرو من خمرة
أنت أين من زهرة ين خضر الضفاف
فلماذا أموت سريعا ؟
واترك خلفي بلادي
بألوانها ، وبنوّارها
وبأحلى حيبات عمري
وأرحل نوارة في الجفاف ؟

محمد البقلوطي
12 جويلية 1993


***




من قصيدة: زينب الظل والماء والدالية

زينبُ الآنَ تمضي بعيدًا
تعيدُ بناء الفصولِ التي لا تعودْ
زينبُ الآن تُشرقُ في كل خَطْوٍ، وخطوٍ
وتورقُ تورقُ في كلِّ عودْ
ثم حين يعود الخطافُ
تعود الحبيبةُ زينبُ شمسًا وماء

كلما رقْرقَ الدمعُ في مقلتيَّ
تفوحِينَ في المقلتينْ
كلما شرَّدتْني خُطايَ
أفرُّ إليكِ
وها جئتُ يا زينبُ اشْتقتُ للماءِ في راحَتيكِ
فمدّي يديكِ
ولـمِّي شتاتي ولمّي
أيا طيفَ أمّي
ويا حضنَ أمّي
ويا «بوسةَ الخالِ» في خدِّ أمي
أفرُّ إليكِ
أفرُّ إليكِ
وأنت التي تصطفيكِ الطيورُ الجريحةُ
تغفو لديكِ العنادلُ
تأنسُ للحلمِ، للبَوْحِ، للهسْهَسة
أنتِ يا أنتِ
أنت خلاصةُ كلِّ الكلامِ الجميلِ
خلاصةُ كلِّ النساءْ

زينبُ الآن تمضي بعيدًا
تُعيد بناءَ الفصولْ
والفتى
حين صاحَ الفتى:
زينبُ
زينبُ
كنت يا زينبَ القلبِ
للقلبِ
حفنةَ شمسٍ
وباقةَ دِفْءٍ
وغيمًا، وماءْ
وفتَّحتِ صدرَكِ للطِّفلِ
للبلبلِ المتعبِ
فارتمى غائمًا في رُؤاهْ
ثم ضمَّك للقلبِ
ضمَّكِ بالدمعِ
ضمَّكِ حتى تداعتْ خُطاهْ

***

من قصيدة: دهشتي رَجْعُ صَداك

للبحرِ أحلامُ الصِّبا
للبحر تغريدُ السنابلِ للرُّبا
للبحر رقصةُ عاشقٍ طفلٍ تعلَّقَ بالمدى
وأنا
أنا لي دهشتي
لي طيفُك العُصفورُ، لي رَجْعُ الصدى
إلا أنا
عينايَ عصفوران قد حطّا على عُودِ شَجَرْ
يتطلَّعانِ إلى الرَّحيلِ ويحلمانِ
يسائلانِ البحرْ
يا بحرْ
يا بحرُ قل لي كيفَ يبتدئُ السَّفَرْ
يا بحرْ
يا بحرُ قل لحبيبتي
حُلِّي ضفائرَكِ الجميلةَ للقمرْ
يا بحرُ قل لحبيبتي
فحبيبتي
ضحَّاكة النهدينِ، سمراءُ الجبينِ
حمامةٌ، نغمٌ، مطرْ
مَطرٌ، مَطَرْ

***

من قصيدة: يظفرُ الليل.. يوهمُ الغيم

وحدَكَ الآنَ ملتحفًا بالغَسَقْ
تظفرُ الليلَ
أو توهمُ الغيمَ
أو ترتقُ الذكرياتْ
وحدكَ الآنَ
تغزلُ من تَعَبِ العمر أجنحةً وسماءْ
ربّما
ما أفقتَ هنا
مثلما قد أفقتُ أنا
إنْ على برقِ سوسنةٍ تحترقْ
أو على فَيْحِ سنبلةٍ من شذا
تذْرفُ العشقَ
وتحضنُ جمرَ هواجِسها في تمامِ الذهولْ
وتقول: أنا شهرزادْ
إنها شهرزادُ
وأطيارُها من نبيذٍ وثلجْ
والصَّبايا لديها
يفاتِحْنها بالنشيد
يُنادينَ:
يا أيها الوقتُ عانقْ فضاءاتِها
واتَّحِدْ بِبلابِلها



محمد البقلوطي.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى