عبد القادر وساط - الطاغية يبدي إعجابه بالشاعر عوف بن قُرّة

جاء في كتاب " إتحاف الخلان بأخبار طاغية نجدان مع الشعراء والوزراء والأعيان ":
حدثنا عمرو بن سعيد عن أبي الفضل العنابي، عن المدائني، قال:
حضرتُ يوماً مجلسَ الطاغية والشعراء يمدحونه، وهو يصغي لمدائحهم وقد بدا على محياه الضجر، إلى أن جاء دور الشاعر عوف بن قُرّة، فوقف بين يديه أنشده قصيدته النونية على الخفيف، التي يقول في مطلعها:
يا نديمَيّ كيف لا تَسْألانِ = أين عهدُ الشباب في نَجْدانِ ؟
وكان الطاغية متكئا فاعتدل عندئذ في جلسته، وشرع يستمع باهتمام شديد لذلك الشاعر وهو يقرأ نونيته. وهي قصيدة طويلة، ذكرَ فيها عوف مراتع الطفولة والشباب، وتغزلَ بالمحبوبة، ثم انتقل ببراعة إلى مدح الطاغية، فمن ضمن ما قاله فيه:
أنتَ كالغيث تُنعش النفسَ والجسْمَ = وترْوي المنى وتُحْيي الأماني
قال المدائني:
فما رأينا الطاغية قد أصغى يوماً لقصيدة مدح كما أصغى لقصيدة عوف بن قرة. بل إنه نهض اقفا وهو يتمايل من الطرب، عند سماع هذه الأبيات:
أصبحَ الجورُ تحت حكمك عدلاً = و غدا الحُمْقُ و النُّهى سيّانِ
مذْ بنيتَ السجون في كل صَقْعٍ = و جعلتَ الكثيب خيرَ المباني
وشغلتَ الجميع بالشعر دهراً= و بعلْمِ العَرُوض و الأوزان
فلما بلغ الشاعر عوف بن قرة قوله :
يا سليل الطغاة في خير أرضٍ = جئتُك اليومَ فاحْمِني منْ زماني
التفت الطاغية إلى الشعراء الحاضرين وقال لهم:
- من شاء أن يمدح طاغيةً مثلي فليمدحه بمثل هذا الشعرأو فليصمتْ .
ثم إنه أشار إلى عوف بن قرة أن يقترب و خاطبه قائلاً:
- يا عوف، قد أقطعتك أرضا عامرة بديار بني سعد، ولكنك ستمضي قبل ذلك لقضاء ثلاثة أشهر في الكثيب، كي تشهد بنفسك ما أنجزناه هناك من مآثر وكي تَلمسَ عن قرب سعادة السجناء وهم ينعمون بما أسبغناه عليهم من ظلم وجور، بتأييد من الله تعالى.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى