عبد القادر وساط - مجالس الطاغية

جاء في كتاب " الإتحاف" :
أخبرنا محمد بن يزيد قال:
كنا في مجلس الطاغية ، فسألَنا عن قائل هذين البيتين:
و قد كان مَشْرَبُنا صافياً = زماناً فقد كَدرَ المَشْرَبُ
و كنا اعتزمْنا إلى مذهب = فسيحٍ فضاق بنا المذهبُ
فقال أبو الفضل الشهابي:
- هذان البيتان للشاعر دعبل بن علي الخزاعي أيها الطاغية ، و بعدهما قوله:
و مَنْ ذا المُواتي لهُ دهرُهُ = و من ذا الذي عاش لا يُنْكَبُ ؟
فإنْ كنتَ تَعجبُ مما تَرى = فما ستَرى بَعدهُ أعجبُ
فَعُودكَ منْ خُدَعٍ مُورقٌ = و واديك من عللٍ مُخْصبُ
و إنْ كنتَ تحسبني جاهلاً = فأنتَ الأحقّ بما تَحسبُ
قال الطاغية :
- قاتله الله ، ما أشعره !
ثم التفت إلى الحاضرين و قال:
- رَوّوا أبناءكم من فصيح الشعر فإنه كما قال معاوية، يُفَتّح العقل و يُفَصّح المنطق ويُطلق اللسان ويدل على المروءة والشجاعة .
ثم إنه التفتَ إلى الشيخ الغافقي وزير الشعر، وسأله:
- هل تذكر، أيها الشيخ، حكاية معاوية بن أبي سفيان، كيف أراد الهرب في صفّين وكيف تذكرَ أبياتا من الشعر ساعدتْه على الثبات؟
قال الشيخ الوزير:
- نعم أيها الطاغية. فقد حكى ذلك هو نفسه فقال: " رأيتُني ليلة صفّين وما يحبسني عن الهرب إلا أبيات عمرو بن الإطنابة:
أبتْ لي عفتي و أبى حيائي = و أخْذي الحمدَ بالثمن الربيحِ
و إعطائي على المكروه مالي = و ضربي هامة َ البطل المُشيح
و قولي كلما جشَأتْ و جاشتْ : = مكانَك تُحمدي أو تستريحي
لأدفعَ عن مآثرَ صالحاتٍ = و أحميَ بعدُ عن عرض صحيح
قال الطاغية :
- ما أجمل هذا الشعر! وما أشعرَ قائله! ألا فاشهدوا أني واحد من الذين يعدّون هذا الخزرجي ضمن الشعراء الملوك .
ثم إنه التفت إلى كبير وزرائه و قال له :
- سأطلق على السجن الجديد الذي بنيناه شرقيّ نجدان اسم َ عمرو بن الإطنابة، تخليدا لذكرى هذا الرجل العظيم .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى