عبد الرحيم جداية - مفاهيم الكشف والمعاني المرجأة عند الروائي والشاعر أيسر رضوان

لفهم التجربة الشعرية والتعرف على مفهومي الكشف والمعاني المرجأة يتطلب البحث فيهما معمقا لشكل القصيدة ومضمونها، وصولا إلى القصيدة المثقفة المحملة بالأفكار والمضامين المبهمة حينا والغامضة أحيانا، فالقصيدة تحمل مفاتيحها في داخلها وصولا إلى ذات الشاعر الكاشفة.

ويأتي الكشف من قدرة المتلقي على استكناه المعاني والدلالات وقدرته على التأويل، هذا الكشف الذي ستره الشاعر وراء المفردات والتراكيب في جسد القصيدة للتعرف إلى المعاني الأولية، والتعمق في المعاني المرجأة، إذ تتوسع القصيدة بالكشف عن الذات والمعالم الإنسانية مستقيا الوجود والكون في المعاني المرجأة بسمو الخيال بعيدا عن الوهم.

فالكشف عند الشاعر أيسر رضوان يأتي متدرجا بجمال اللغة والموروثات الدينية والأبعاد الميثولوجية، كما يأتي (النبش) في طبقات القصيدة صورة أخرى لتتابع المفردات والتراكيب زمنيا وطبقيا للكشف عن الغموض وصولا إلى المعاني المرجأة.

والكشف عند أيسر رضوان المحمل بالثقافة الواسعة في ديوان ظلي لا يطاوعني هو آلية التفكير عند الشاعر نفسه، بالكشف عن جسد القصيدة والكشف عن التجريب والميثولوجيا والكشف عن الذهني والحسي لكشف المجهول واستشراف المستقبل من خلال مفاتيح القصيدة وقرائنها، كما يأتي الكشف باستنطاق الصامت بلغة الأثري والاستقصاء، والسؤال المدخل الأولي بالكشف عن جسد القصيدة وروحها لتشكل أسئلة الوجود روح الديوان الذي يتفتق عن كشف أولي متتابع وصولا إلى المعاني التي أرجأها في بناء القصيدة.

فالكشف تقنية لفتح أبواب الغموض وإطلاق القصيدة بتدرج ألوانها بعيدا عن فضح مضامين القصيدة المستترة، ليأتي الكشف متلازما مع الأبعاد الفكرية والثقافية للشاعر والمتلقي، ومجمل الكشف بطريقته الاستقصائية ونبش الماضي يوصل المتلقي إلى كلّية القصيدة والكشف ظاهريا وباطنيا كما قال جاك دريدا في كتابه (الكتابة والاختلاف).
ومن المهم الكشف عن الوجه الآخر للشاعر أيسر رضوان الروائي في وجهه الأول، حيث يعد الكشف تقنية روائية لا تكشف الرواية عن معانيها المرجأة إلا مع تطور الرواية وأحداثها، وهذا ما استفاد منه الشاعر والروائي أيسر رضوان في توظيف الفن الروائي للكشف في قصيدته، وصولا إلى المعاني المرجأة الظاهرية والباطنية في قلب الرواية والقصيدة.

مستمدا أيسر رضوان أسلوب الكشف والمعاني المرجأة من روايته مثلث العشق والتيه التي صدرت عام 2012م ورواية سابقة عام 2002م بعنوان (الغرفة الصماء) التي فاز فيها في عمان عاصمة الثقافة العربية.
والكشف أيضا تقنية أثرية استفادها أيسر رضوان من تجربته في حقل الآثار دراسة وعملا، ليحرر الشاعر والروائي مستويات من المعنى، كاشفا من أول القصيدة إلى آخرها، مؤجلا من المعاني ما يستفز القارئ على المتابعة والدهشة، ويعد التناص والتضمين من أساليب الكشف التي وظفها أيسر رضوان في ديوانه كما وظف المقاربة والمقارنة طريقة أخرى للكشف، أما المعاني المؤجلة فتشير بدلالة واضحة على عمق النص والثقافة والتجريب، وما يحتاجه الشاعر والمتلقي من وعي وفهم وإدراك لمضامين النص وجمالياته.

إضافة إلى التناص تعبّر الميثولوجيا عن وعي وفهم أعمق من قبل الشاعر والمتلقي بالكشف المتأني عن المعاني المرجأة، كما في قصيدة (ميثولوجيا الجوع) التي يفرد بها مفردات القمح والخبز وخزائن يوسف وعصر هارون الرشيد والخراج، ليجمع في قصيدته بين التناص والمقابلة والمقارنة مستفيدا من ماهية العقل الجمعي في الكشف عن المعاني الأولية الظاهرة ،مرجئاً المعاني الباطنية ليكسر المتوقع في المعاني المرجأة.

استفاد الشاعر أيسر رضوان من الخرافة والأسطورة المتداولة على ألسنة الناس للكشف عن المعاني الأولية، مؤجلا مضامين الخرافة والأسطورة في ظل قصيدته، تاركا السؤال والبحث أسلوبا للبحث عن المعاني المرجأة في الرمز الممتد على مساحة ديوان ظلي لا يطاوعني، فللرمز معان أولية ومرجأة، وللرمز صورة باطنية وظاهرية، والرمز تجريد يخفي الكثير من المعطيات، ليفتح مجال البحث والسؤال عن المتلقي، متتبعا دور الرمز والخرافة والأسطورة في إنتاج المعاني الأولية والمرجأة.

ولا ينسى الباحث دور الحالة البشرية في الرغبة والميل للبحث عن الأسرار ليستفيد الشاعر أيِسر رضوان من هذه الخاصية البشرية في تأجيل وإرجاء الكثير من المعاني الإنسانية والتاريخية والحقائق العلمية، ولا يمكن للمتلقي من الكشف وتتبع طبقاته ومساحاته المغطاة إلا من خلال قصيدة قامت على جملة من العلاقات البنائية والمعمارية في جسد القصيدة، كما قامت على جملة من التألقات والأسرار والمعاني الأولية والمرجأة مستفيدا من الحلم والخيال في الكشف عن أبعاد يقدمها الشاعر أيسر رضوان في قصيدة مثقفة تحمل تراكيبها وصورها الفنية.

حاملة الغموض والكشف والمعاني المؤجلة آلية تقنية في بناء القصيدة وفهمها وفهم دلالاتها بالكشف والتتبع والاستقصاء فاتحا المجال للمتلقي لتفكيك القصيدة وإعادة تركيبها مستفيدا من الكشف والمعاني المرجأة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى