إبراهيم محمود - مديح الظلام

ليس من مديح للظلام
ليس من مصافحة للظلام
ليس من عنوان مسلَّم به للظلام
إلا أننا نعيش الظلام
إلا أننا نثمّن الظلام
إلا أننا نعظّم الظلام
إلا أننا نلوذ بالظلام
إلا أننا نخرج من الظلام
إلا أننا نرتد أبدياً إلى الظلام
إلا أننا نوقّع على " بياض " للظلام كثيراً:
فنحن نلبس أسوده فرحاً وترحاً
ونحن لا ننفكُّ نصبغ لحانا وشعرنا بمداد منه
ونحن نتغزل بالعيون السود وفتنتها، وهي بنسَبها الليلي
وكرمى الحبيبة ذات العينين السوداوين تعلقنا بعيون المها والبقر الوحشي
ونتغنا بنجوم السماء حيث يسربل الليل الوجود بظلامها وننغمر ببحره العميق
نهفو، كما علَّمنا ديننا " إلى الحور العين وجمعهن بين سواد العين وبياضها،
ولا ندري " لا ندري " ما سر تعلَّق الله بالعيون السود دون كل العيون في كتابه
لا ندري " لا أدري " فضَّل الله الأبيض على الأسود في كتابه: بابيضاض وجوه وليس اسودادها، وهو ما لا يمكن تجاهل عنف الملفوظ فيه، وربطه بمن خوطِبوا باسمه أولاً
نسبّح باسم سواد شعر الحبيبة دون أي لون آخر في نسبة طاغية
نثمل برؤية " لمى " الحبيبة "، حيث يستقر السواد عموماً في باطن الشفة، نودِعها الكثير من شبقنا وجنوننا النهاري
نتغنا بليالينا ومقاصف ليالينا ولا أكثر من " يا ليل يا عين " تغنياً هنا وتحبباً إلينا
نراهن على الحصان الأسود أو الأبلق وفيه من السواد ما يكفي لربطه بالليل
ونحن " نؤدب " مجتمعاتنا بسجون محجبة بالظلام: بالأسود
ونخرج من الظلام ثم نعود إليه:
تصوروا لو يكن الظلام قائماً بليله أكنّا عرفنا شهرزاد وشهرياراً: ثنائينا المبتدع ؟
ونمزج بين الليل ومسعانا في الكتابة والطرب:
فالليل ستارنا وملاذنا في كتابة ما يعتمل داخلنا ونعلنه على الملأ نهاراً
فالنهار ضحكة الليل الذي يكونه الظلام
والليل ساعة مواعيدنا مع من نحب ومن نكره
فالحب يطبَّق في الليل أكثر من النهار
والليل اللقاء الانعطافي في الزواج
والليل بظلامه الدامس يمرّر أيد ٍ ومؤامرات وعمليات للقتل بفنونه المختلفة
وننشد الظلام لكي نحسن التحرك هنا وهناك
ونتسلل إلى بيوتات الآخرين سرقة أو تعبيراً عن شهوات موجَّهة
والظلام مطلوبنا ونحن نرتكب الفضائح
والسر وليد الظلام، حيث يعتَّم عليه
فالتأويل ذو مرجع ليلي/ ظلامي، أما التفسير فنهاري، ولهذا يُتخوَّف من الليل وينصَح بالنهار
والمرأة موثَّقة بالظلام، بما هو ليلي، باعتبارها " مقرّرة غريزة " فالغريزة ظلامية: سوداء، كما لو أن الرجل منيرها ومديرها ومثيرها وهو أسيرها إن جاز التعبير
والموت ظلام، بينما الحياة فنور، رغم أن الجاري هو أن العنف الممارس في النهار لا يحاط به
وكل فكرة عظيمة، كل إبداع عظيم يرتدان إلى مخاض الظلام
أرأينا كم أغمطنا الظلام حقه، ونحن نربطه بالمتشددين في مجالات شتى، وما في ذلك من تحريف في المفهوم، وإزاحة للاسم، وتنكّر لمناقب الظلام ؟
ألا يستحق الظلام مديحاً يعلَّق بحروف من سواد على صدر النهار تذكيراً حياً به ؟


إبراهيم محمود

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى