عبد القادر وساط - الطاغية يلقي خطابا في عيد المرأة

جاء في الجزء الحادي عشر من كتاب " الإتحاف":
لما حل اليوم الثامن من شهر مارس، أمرَ الطاغية أن تُجمع له نساء نجدان في ساحة الحرية، فلما قاربت الشمس المغيب، جاء محاطا بزبانيته ثم صعد المنبر وخطب في حشود النساء المجتمعات وقال:
الحمد لله وحده
يا نساء نجدان! لعلّ فيكن من يحسبْن أني رجل فظّ، خشن الطباع، ميال للشراسة، عديم الإحساس. وهذا لعمري ضرب من الأباطيل التي يشيعها عني الأعداء والخصوم. فالحق أني أحببت نساء كثيرات فيما مضى من العمر، لكني لم أجد من أكثرهن إلا الجحود. ورحم الله نزار قباني الذي قال:
هل دولة ُ الحبّ التي أسّسْتُها = سقطتْ عليّ وسُدّتِ الأبْوابُ؟
وقد قال في القصيدة نفسها:
أ أحاسبُ امرأةً على نسيانها = و متى استقامَ مع النساء حسابُ ؟
وقال أيضا:
لم أنسَ أسماءَ النساء و إنما = للحُسْن أسبابٌ و لي أسْبابُ
وبمناسبة الحديث عن أسماء النساء، أود أن أثير انتباهكن- معشر نساء نجدان - إلى أمر من أمور الدولة، جليل الخطر وعظيم الأهمية، يقض مضجعي منذ شهور وشهور. فقد لاحظتُ أن الأسماء التي ننادي بها نساءنا في العصر الحاضر أسماء هجينة، لا علاقة لها بالأسماء الجميلة التي كانت تحملها نساء الأزمنة الماضية، وهذا سبب قوي من أسباب تخلفنا عن ركب الأمم الراقية. وقد بحثتُ في سجلات الحالة المدنية بنجدان فلم أعثر، مثلا، على امرأة تسمى جِعْثن. والجعثن كما لا يخفى عليكن هو أصول الشجر والنبات. وكانت أخت الفرزدق تحمل هذا الاسم. وقد ذكرها جرير في إحدى هجائياته اللاذعة فقال:
بات الفرزدقُ يَستجير لنفسه = و عجَانُ جعْثنَ كالطريق المعمل
ولم أجد في سجلاتنا امرأة تحمل اسم جنوب، مع أن جنوب بنت العجلان شاعرة هذلية مرموقة. ولم أعثر على امرأة تسمى تماضر، وهو اسم الشاعرة الخنساء. وليس في السجلات المذكورة أثر لاسم بوزع. وهي امرأة ذكرها جرير في شعره فقال:
و تَقول بوزع قد دببْتَ على العصا = هلا هزئتِ بغيرنا يا بوزعُ
ولم أعثر كذلك على اسم الخرنق. وهذه الكلمة تعني: صغير الأرنب. وكانت أخت الشاعر طرفة بن العبد تسمى بهذا الاسم. وهي القائلة في رثاء أخيها طرفة:
عدَدْنا له خمساً و عشرين حجة ً = فلما توفّاها استوى سيداً ضخما
فُجعنا به لما رجونا إيابَهُ = على خير حال ، لا وليدا و لا قحْما
ولم أجد في سجلات نجدان امرأة تسمى السُّلَكة، اقتداء بأم السليك، الشاعر الصعلوك. وقد كانت شاعرة جيدة الشعر، وهي القائلة في رثاء ابنها السليك:
طـافَ يَـبْـغِـي نَـجْـــوَةً = مِـنْ هَـــــلاكٍ فـهَـلَــكْ
لَـيْـتَ شِـعــرِي ضَـلَّـة = أيّ شــيء قَـتــلَــكْ ؟
أمَـرِيــضٌ لـم تُـعَــــــدْ = أم عَــــــــدُوّ خـَـتـَـلَـكْ ؟
والـمـنـــايــا رَصـَــــــدٌ = للفَـتـَـى حَـيْـثُ سَـلَـكْ
كُـلُّ شَــــيءٍ قــاتِـــلٌ = حـين تـَـلْـقَــى أَجَـلَــكْ
ولا يوجد في سجلاتنا كذلك اسمُ الرعلاء. وهو اسم جميل كانت تحمله أم الشاعر عدي الغساني، صاحب البيتين المشهورين:
ليس من مات فاستراح بمَيْتٍ = إنما الميْتُ ميّتُ الأحياءِ
إنما المَيْت من يعيش ذليلا = سيئا بالُه قليلَ الرجاءِ
ولم أعثر على اسم عشْرقة، وهو الاسم الذي تحمله وزيرة الحب في حكومتنا الموقرة . وأخبركن بالمناسبة أني أمرتُ هذه الوزيرة أن تبدأ منذ اليوم في جرد شامل لأسماء النساء في الأزمنة القديمة، من أجل الشروع لاحقا في تغيير سجلات الحالة المدنية بأكملها، حتى نتمكن بحمد الله من إحلال هذه الأسماء محل أسمائكن العصرية، التي تخلو من كل شاعرية .
والسلام عليكن ورحمة الله وبركاته.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى