رائف بدوي - المنُّ والسلوى في إشكالات الفتوى

يقول الأستاذ محمد ديماس في كتابه " الإنصات العكسي " في ص ( 34 ) – (رأى الإمام أبو حنيفة طفلاً يلعب بالطين فقال له : إياك والسقوط في الطين ، فقال الغلام الصغير : إياك أنت من السقوط، لأن سقوط العالِم سقوط للعالًم.

فما كان من أبي حنيفة إلا أن اهتزت نفسه لهذه المقولة ، فكان لا يخرج فتوى بعد سماعه هذه المقولة إلا بعد مدارستها شهراً كاملاً مع تلاميذه .. ).

إن الحديث عن الفتيا وكلام أهل العلمِ يجرنا إلى ما ترسخ في الأذهان عن جهل مركّب وسوء بحث ، من ترديد العامة من الناس لمقولة: لحوم العلماء مسمومة ، وسيأتي قائل ليقول من أنت يا هذا حتى تفند كلام العلماء وتنتقصهم معتمداً بالطبع على المقولة السابقة ، التي أعتبرها قانون طوارئ لتعطيل العقل وقتل الاجتهاد والبحث ، وتعطيل لأكثر الأمور المحمودةِ وهو النقدُ البنّاء الذي يقوّم كل مائلةٍ ويصوب كل قول ، وكما يقول الإمام مالك:
( كل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر – ص - ) ، لكن مقولة الإمام مالك لم تأخذ نصيب مقولة "لحوم العلماء مسمومة" من التبجيل والتفخيم والتقديس ، فقد روّج الكثير من الوعاظ لتلك العبارة بيننا، حتى يجعلوا كلَّ ما يقولونه نصاً مقدساً لا يقبل النقاش، متجاهلين عنوة الاختلاف الكبير والمتنوع في المذاهب الإسلامية والاجتهاد والبحث ، حتى باتوا يهمشون القرآن الكريم على حساب اجتهاداتهم الفقهية وفتياهم حتى بات التراث الإسلامي نصاً مقدماً على القرآن الكريم.

ما حاجة الناس إلى الفتوى والحلال بين والحرام بيّن ، فنحن جميعا أعلم بأمور دنيانا والعلم ليس حصراً أو قصراً على فئة من الناس كما يحصل الآن ، من انتشار لثقافة الفتيا التي أعتبرها أنا بدعة من بدع هذا الزمان ، ونشرا لثقافة الشيوخ أعلم وأدرى وأنهم المحتكرون للحقيقة والإسلام وحدهم دون غيرهم ، وهذا ما يناقضه الإسلام نفسه الذي دعا للتفكر والتدبر ولم يجعل بين الرب وبين عباده أيَّ وسطاء.

ومن الفتاوى الشاذة -كمثال- قول الواعظ محمد العريفي في ردّه على أحد الأسئلة (لا يجوز للفتاة أن تلبس اللباس الضيق، والأمر الثاني لا تخلو بأبيها ولا تجلس معه في غرفة لوحدهما، إنما تحرص أن تكون أمها موجودة أو أحد إخوانها إلى أن ييسر الله لها وتتزوج )
والكثير الكثير من الفتاوى البالية المليئة بالشذوذ والإساءة للمجتمع وتحقيره ، ممن دخلوا مجال الفتوى من باب التكسّب والتربّح والذين يملئون ويزاحمون في الفضائيات والمواقع الإلكترونية ومنابر المساجد وحلقات المواعظ ، رغم صدور القرارِ التاريخيِّ من المقام السامي بحصر الفتوى في هيئة كبار العلماء فقط لتوحيد وضبط الفتاوى ، والذي مِن تاريخ صدوره حتى يومنا هذا وهم يحتالون عليه في السر والعلن والله المستعان.

إن كل المشكلة تكمن في إلغاء العقل وركنه إلى واعظ ليفكر ويقرّر عنّا حتى في أتفه الواضحات التي لا تحتاج سوى إلى بحث بسيط في ظل ثورة المعلومات ، وللاستزادة من غثاء الفتوى أنصح بقراءة كتاب جميل وجامع لغرائب الفتوى للصديق الكاتب: أحمد العرفج غفر الله له بعنوان " الغثاء الأحوى في لم طرائف وغرائب الفتوى " والصادر عن المركز الثقافي العربي.

خاتمة :
قال سفيان الثوري:
(إذا استطعت ألا تحكّ رأسك إلا بأثرٍ، فافعل )!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى