ديوان الغائبين ديوان الغائبين : محمد العيد الجباري - تونس - 1911 - 1942

محمد العيد بن خليفة بن محمد بن ابو القاسم بن حسن الحسني الجباري
نزح والده من الجزائر واستقر بتونس حيث ولد شاعرنا في مدينة تونس (العاصمة)، وفيها توفي.
عاش عمره القصير في تونس والجزائر.
حفظ القرآن الكريم، وتلقى تعليمه في المدرسة الخلدونية والجامعة الزيتونية في تونس (العاصمة).
عمل مشرفًا على إدارة جريدة «العمل».
كان رئيسًا للجنة إسعاف فلسطين، وحاول تأسيس جمعية شباب شماليّ أفريقية، كما شارك في نشاط الحزب الحر الدستوري التونسي، وترأس الشبيبة الدستورية،
وبسبب نشاطه السياسي تم نفيه إلى الجزائر.

الإنتاج الشعري:
- ديوان: «اللهيب» - الدار التونسية للنشر - تونس 1974 (يقع في 130 صفحة، يضم 112 قصيدة)، وله قصائد نشرت في كتاب: «الأدب الجزائري في تونس»، وقصائد نشرت في جريدة «العمل» (1934)، وفي مجلة «العالم الأدبي» (1936) التونسيتين.

الأعمال الأخرى:
- له: «الفرائد في العلم والأدب والاجتماع» - المطبعة الفنية - تونس 1937.
يغلب على شعره طابع الحماسة والتمرد، والإلحاح على مطلب الحرية والعدل؛ مما يوضح رؤيته لرسالة الشعر الاجتماعية والسياسية، لم يعن بالجانب الفني قدر عنايته بالموضوع، فلم ينشغل بالحلى اللفظية والتصوير البياني، وإنما يعمد إلى هدفه عبر أقصر الطرق؛ من ثم نجد في شعره نزعة خطابية، وحفزًا مباشرًا بسك الشعارات،
غير أن له شعرًا تغنى بجمال الطبيعة في بلاده، نظم القصيدة والنشيد، وتصرف في موسيقى البحر الشعري.
تكريمًا له أطلق اسمه على: مصحة، وبعض الشوارع، ومنطقة، ومركز بريد، وكلها في العاصمة التونسية.

مصادر الدراسة:
1 - محمد بوذينة: مشاهير التونسيين - دار سيراس - تونس 2001.
2 - محمد صالح الجابري: الأدب الجزائري في تونس - بين الحكمة قرطاج 1991.
3 - مقدمة ديوان اللهيب.

الثبات

عذوليَ لا تهرفْ بما لستَ تعرفُ = فما حب أهل الفضل فيه تكلّفُ
عشقت بلادي لا أودّ بغيرها = بديلاً ولا يومًا هوايَ سيضعف
فإنيَ قد مارست من زمن الصِّبا = مُضيّاً إلى العليا فلا أتخلف
ومن شبَّ في شيء فصعبٌ رضوخه = وميله في الدنيا لما ليس يألف
فقد كنتُ مقدامًا ولا زلت مغرَمًا = بما له عين المكرمات تشوّف
فإني - أبيت اللؤمَ - لا أرتضي به = خليلاً وعن حزب الهدى أتلهّف
ومن كان مِفضالاً فضده هالك = وبالذل في أقصى الحضيض مُكتَّف
وإني طلبت المجد حتى وصلْتُه = ومن أمره أدركت ما ليس يُعرَف
نعم كل خطوٍ فيه يكمن لي أذى = وظلم زمانٍ ليس للحر يُنصِف
لذلك قد خاطرتُ في كل حالةٍ = بنفسي فلا أخشى ولا أتوقف
فلاقيت أبعادًا مرارًا ولم أزل = جريئًا من الأوصاب لا أتأفف
وزرت من الأحباس شتى ولا أنا = توليتُ عن حقٍّ به القلب مُشغَف
وقلت لمن قد ظن نفسي ذليلةً = ونفسي بأوتار المسرَّة تعزف
أيؤسفني سجن ولم أك مجرمًا = وقبليَ فيه زُجّ في الناس يوسف؟
وكيف أهاب النائبات وجيشها = وعِلْميَ أن الله بالعبد أرأف؟
وما نكبة الإنسان غير امتحانه = وطيف ابتلاء بالثبات يخفَّف
فإن يك أهلاً للمفاز فإنه = بباقته بين البرية يتحف
يقولون: كن عبدًا لتصبح في غدٍ = طليقًا وحُرّاً بالبراءة توصَف
فأتبعهم قولي: متى الخير أصْله = من الشر أو من جنده يتألف؟

***

كيف لا أبكي دما

كيف لا أبكي دما = وبلادي في عنا
تتنادى ألما = من عذاب وضنا
كيف لا أبكي بلادي = وهي تدنو للمنون
صوتها فينا ينادي = أنقذوا الأم الحنون
أنا جزء من ثراها = قد تبدى بشرا
فإذا ازداد عناها = ازداد جسمي ضررا
أذرف الدمع السخين = في صباح ومسا
عن بنات وبنين = فقدوا فيها الكسا
آه للطفل اليتيم = قد بكى فيها كثيرا
نومه فوق الأديم = أمطر الدمع الغزيرا
أيها الظالم فينا = جورك الأقوام عما
قد كفى ما قد راينا = قد كفى عسفا وظلما
قد أبت نفسي البقا = بين أنصار المظالم
صفعوا بين الملا = بيد الجور المكارم
سوف تدري يا ظلوما = عاث في الأرض وجارا
سوف تدري يا غشوما = آخر الضغط انفجارا
إن جهلت اليوم تدري = في غد دون ارتياب
دولة الطاغين تجري = دون شك للخراب

***

شدتُم عراها عرى الإقدام وانطلقت

شدتُم عراها عرى الإقدام وانطلقت = سفينة الحق باسم اللَه مجراها
تجري بآمال شعب ماجد فطن = لم يرض من رتب الدنيا بأدناها
لا البحر رهو ولا الأمواج في دعة = ولا الأعادي غفل عند مغداها
لكن عزيمتها الكبرى تثبتها = وقوّة الحق تحدوها وترعاها
وصوت شعب أبي الضيم متحد = أسدى لها الثقة العظمى وزكاها
شعارها الحق تصريحا بلا خور = وعزة الشعب مرماها ومغزاها
هذا هو العمل المبرور تدفعه = محبة الوطن المحمود مسراها

***

سياسة الغصب سموها مشاركة

سياسة الغصب سموها مشاركة = فاعجب لمن قد غدا منا يواليها
ألست تعجب دارا قد عكفت لها = حينا من الدهر دون الناس تبنيها
لما أقمت لها الجدران وانتصبت = مثل الجبال التي قرت رواسيها
حل الدخيل بها غصبا ليسكنها = يصيح في القوم إني من أهاليها
ألست تعجب أرض أنت حارثها = وأنت زارعها حبا وساقيها
لما ازدهى بعد بين الزرع سنبلها = وعندما حصد الزرع الذي فيها
غنى الذي لم يكن يوما بزارعها = قد صابت الأرض قاصيها ودانيها
يفتك نصفا من الصابات حجته = النصف لي ولمحيي الأرض باقيها
ألست تعجن أجر أنت صاحبه = من أجل ساعات كد أنت تفنيها
عرقت منها فبات الجسم في ألم = كل المتاعب والنكب يعانيها
وأصبح الجسم منهوكا برمته = من أجل آلام أوجاع يقاسيها
حلت به بعد أدواء منوعه = قد أزعجت من غدا في الناس آسيها
إذا بصوت علا من غاصب لهم = إليك كالرعد تحذيرا وتنبيها
نصف الدراهم مما أجروك به = لي رغم أنفك يا مأجور تعطيها
تلك السياسة سموها مشاركة = بئست نتيجتهها بئست مباديها
دعها وكن أبدا دوما معارضها = فالظلم والجور حلا في نواحيها
هذي الحقيقة لا شكا يقارنها = وللحقيقة من أضحى يواليها
فاصدع بها دون خوف ليس من حرج = على ذويها مدى الدنيا وأهليها
فالحق يعلو ولو يلقى مصادمة = وللأباطيل دوما من يعاديها


***


في زمن منقرض سحيق .. محمد العيد الجباري

في زمن منقرض سحيق
قد التقى الأرنب بالسلوقي
فالتفت الأول نحو الثاني
يوضح الأنماط بالبرهان
يقول اسمع يا أخي مقالي
من بعد تقديمي لك إجلالي
تجري وتمضي دائما للصيد
لأجل عمرو أو لأجل زيد
وأنت من تعبك الكبير
تسبح في عرقك الكثير
ولست من أتعابك العظيمة
بفائز إلا بأدنى قيمة
فالمرء لا يرضى بغير اللحم
ولست إلا ناهشا للعظم
وإن نبحت تطلب الطعاما
فمنه تلقى الضرب والإيلاما
كذلك من في دهره يظل
وسيلة للغير تستغل
يلقى مدى الأيام والأزمان
من البرايا أكبر الهوان
ومن يسوم الآمنين شرا
يسلط اللَه عليه الضرا
فأثر المقال فيه بعد
وقال إني ظالم أشد
وإنني أرجو من الرحمان
العفو والإنعام بالغفران
وحيث شرط الفوز والنجاة
توبة مذنب مدى الحياة
فاشهد علي أنني آليت
ألا أجيء الصيد ما حييت
وبعد شهر قد مضى في العد
إذ بالسلوقي قد أتى للصيد
يحاصر الأرنب إذ دعاه
سيده لذاك واجتباه
فالتفت المظلوم كي يذكره
بسالف النذر الذي قد أنذره
إذا به يجيبه أنذرت
لكن على التنفيذ ما قدرت
عندئذ أجابه المسكين
النذر بالرحمان لا يدين
ومنتهى الحق من الصواب
الخير لا يرجى من الكلاب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى