عبد القادر وساط - صفحات مختارة من كتاب: " إتحاف الخلان بأخبار طاغية نجدان مع الوزراء والأعيان " لأبي بكر الخالدي، الملقب بِرِيق الدنيا

أخبرنا أبو بكر بن القاسم العَطَوي عن أبي عبدالرحمان الأنباري، عن وهب بن جرير بن حازم عن الشيخ أبي الفضل النجداني، قال:
حضرتُ مجلسَ الطاغية وعنده عدد من الوزراء، فمنهم وزير المعلقات ووزير الحماسة ووزير الجمهرة ووزير الأصمعيات ووزير المفضليات، ووزير العَروض، ووزيرالقافية والروي، فتناشدنا الشعرَ وتذاكرنا أخبار الشعراء المساجين والشعراء الذين لم يُسجَنوا بعد، وأولئك الذين استطاعوا الفرار، إلى أن انتهى بنا الحديث إلى السجن الجديد، الذي بناه صاحبُ نجدان وسمّاه سجن الكارب. وعندئذ، التفتَ الطاغية إلى الشيخ أبي الحسن الكستنائي، وزير المفضليات وسأله:
- في أية قصيدة مفضلية ذُكرَت كلمةُ الكارب، أيها الشيخ؟
فأجابه الوزير:
- لقد جاء ذكرها في المفضلية رقم ( ١١٦) أيها الطاغية، وهي قصيدة لامية على الكامل، للشاعر عبد قيس بن خُفاف.
وعندئذ تدخل وزير الأصمعيات وقال:
- ليأذن لي الطاغية بالكلام، فالقصيدة أصمعية كذلك، وهي تحمل رقم (٨٧) في ديوان الأصمعيات، وفيها يتحدث الشاعر عبد قيس بن خُفاف إلى ابنه جُبَيل، ويوصيه بمكارم الأخلاق، وينقل إليه ما اقتبسه من تجاربه وحنكته، ومطلعها:
أجُبَيْلُ إنّ أباك كاربُ يَوْمِهِ = فإذا دُعيتَ إلى العظائمِ فاعْجَلِ
وعبارة ( كاربُ يومه ) تعني ( دنا أجَلُه ) كما لا يخفى على مولانا المستبد بالله.
قال الطاغية:
- الحق أن هناك قصائد كثيرة مشتركة بين الأصمعيات والمفضليات. ولعمري إن هذا أمر لا يجوز. إذْ كيف يَكون شاعر من الشعراء مفضليا وأصمعيا في الوقت نفسه؟ ألن يَكون كمن يحمل جنسيتين مختلفتين في وقت واحد؟ أما قصيدة عبد قيس بن خُفاف، فهي فعلا من الأدب الرفيع والخلق السامي. وأنا ما زلتُ أحفظها منذ صباي. ومن أبياتها الجميلة، التي يوصي فيها الشاعرُ ابنَه :
و اتركْ محلّ السوء لا تنزلْ بهِ = و إذا نبَا بك منزلٌ فتحوّلِ
دارُ الهوان لمَنْ رآها دارَهُ = أفراحلٌ عنها كمنْ لمْ يَرحل ؟
و إذا هممتَ بأمْرِ شرٍّ فاتّئدْ = و إذا هممتَ بأمر خيرٍ فافعلِ
و إذا أتتكَ من العدو قوارصٌ = فاقرصْ كذاك و لا تقلْ لم أفعل
و إذا افتقرتَ فلا تكنْ متخشعاً = تَرجو الفواضلَ عند غير المُفْضل
و إذا لقيتَ القومَ فاضربْ فيهمُ = حتى يَروك طلاءَ أجْربَ مهْمَلِ
و استَغْنِ ما أغناك ربُّكَ بالغنى = و إذا تُصبْك خصاصةٌ فتجَمّلِ
و إذا تشاجرَ في فؤادك مرةً = أمْران فاعمدْ للأعَفّ الأجمل
قال الشيخ أبو الفضل النجداني:
فلم يبق منا أحد إلا وقد آلى على نفسه أن يحفظ هذه القصيدة، خوفا أن يسأله عنها الطاغية في يوم من الأيام.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى