علي أزحاف - على هامش مهزلة طنجة.. "اتحاد كتاب المغرب وضرورة الدخول الى غرفة الإنعاش"

أي جسم أو مادة عضوية مركبة أو بسيطة ،اذا لم يخضع للقانون الطبيعي في التطور، يصل الى منتهاه، وتنتهي مدة صلاحيته، فيأسن ويتعفن لتنبعث منه الروائح الكريهة، ثم ينتقل الى مرحلة التحلل والتفسخ، لينتج كائنات طفيلية هجينة على شكل ديدان ومكروبات... ويجذب كل اشكال الهوام والحشرات.. كائنات تتصارع بشراسة فيما بينها من أجل البقاء..ثم يحكم عليه بالإندثار والفناء..

أعتقد أن هذا التوصيف البيولوجي، يمكن أن نسحبه على إتحاد كتاب المغرب، الذي ابتدأ كفكرة إشعاعية تنويرية رائدة يقف ورائها كتاب ومفكرون كبار يحملون مشروعا ثقافيا مستقبليا، منهم ميلود معمري وعزيز لحبابي وغيرهم... كان الهدف الإستراتيجي لهذه الجمعية، العمل على لم شمل المثقفين المغاربيين وفق رؤية حداثية تتمدد على مجموع الدول المغاربية في شمال افريقية، وبعد ذلك تقلص هذا الدور ليصبح وطنيا مغربيا فقط ، إلى أن تحول الى بعد جهوي ثم محلي ومركزي، ليصل في السنين الأخيرة الى مرحلة الشللية والجماعات المنغلقة على نفسها، يستحكم فيه منطق العصابات، ويحسم مصيره ومستقبله من داخل القاعات الخاصة, ثم غرف ومطاعم الفنادق الفخمة... وكواليس أحزاب معينة، اذ لم نقل حزب معين..

وما وقع في طنجة لم يكن سوى نتاج لكل ذلك النكوص الإرتدادي الذي يعيشه الإتحاد، الذي عوض أن يتبنى مشروعا ثقافيا ويدافع عنه، أنتج لنا ميليشيات ثقافية همها الوحيد هو كيف تحافظ على مواقعها في بنية المصالح والمكتسبات الإرتزاقية، واقتسام الريع الثقافي ...

بمنطق إما نحن أو فليذهب الإتحاد الى الجحيم..

وما شاهدناه وسمعناه في مهزلة طنجة يؤشر على أن الإتحاد في واقعه الحالي أنتج نوعين من الأعضاء:

1-أعضاء تكتلوا في فيالق مدربة على الصراع الإنتهازي من أجل الحفاظ على مواقعها كمستفيدين وحيدين من ريع الثقافة، ومستعدون للقيام بكل أنواع التدليس والتشويش والإنتظام داخل مجموعات تتقوى بانتماءاتها وولاءاتها السياسة.. وتقاتل بشراسة للإستمرار في تمثيلية الوجه المخزي للثقافة المغربية.. حتى وإن وصل بهم الأمر الى نسف هذا الإتحاد... فإما "هم"، أو لا شيء..

2-مجموعة من الأعضاء "الصوريون" دورهم يظهر فقط في صورة "كم"انتخابي يُستغل للظغط، لا يملكون لا أراء ولا مواقفا واضحة...ة هم مجموعة من "السعداء"بعضويتهم، دورهم يقف عند التصويت و دعم جهة دون أخرى... وقد رأينا كيف أنهم عوض أن يشاركوا في الحدث بشكل أيجابي .. إكتفوا بالتصفيق أو الصراخ.. واتحافنا بصورهم على المواقع الإجتماعية، سعداء بتواجدهم في طنجة، وكأنهم في عرس أو إحتفال عائلي.. وكأن الأمر لا يتعلق بمؤتمر تحدد فيه مصائر الثقافة المغربية ومستقبل اتحاد كتاب المغرب..

ولا ننسى الطرف الثالث الذي يحرك الكراكيز من وراء ستار.. وبطبيعة الحال الأغلبية الصامتة =، إما جبنا، وإما لانتظار اين تميل الكفة فيميلون..

فالصراع كما اتضح ليس صراع مواقف وليس صراع مباديء، وانما صراع مصالح شخصية، إنتهازية حول المكتسبات المادية ولامتيازات(الأسفار،المنح،التمثيليات، والمناصب ، أو "المرقة"بتعبيرنا الدارج ..)

أعتقد انه قد حان الأوان ليقوم المشرفون على الوضع الثقافي بالمغرب ،بأعادة النظر في تكوينات الإتحاد وبنياته التنظيمية، إما باجراء اصلاح جذري بعملية جراحية دقيقة مجهرية تطهيرية ،او على الأقل، بإدخال الإتحاد الى غرفة الإنعاش لتزويده بالمصول الفيزيولوجية الضرورية للإستمرار في الحياة، حتى لا يصاب بفقر الدم، أونوبات ضغط حادة تودي به الى ما لا تحمد عقباه...مثل الذي أصبح باديا في الأفق٠

فحالة الصراعات المصرانية الداخلية والتعفنات المحلية والجهوية التي اصبحت تنمو على جسد الإتحاد مثل دمامل قبيحة تبشر بعدوى مرضية مزمنة أصبحت تستشري في المشهد الثقافي المغربي وتترجم في هذا الإبتذال والإنحطاط، المادي والمعنوي، الذي ضرب باطنابه على منتوجنا المعرفي والثقافي العام وأصبح ينخر جسده من الداخل.

لهذا فإن الإيغال في الخصومات والتراشق بالتهم والانشقاقات المستمرة في البنية المكونة لجسم الإتحاد قد تصيبه يوما،اعتقد انه قريب ،بهبوط حاد في الدورة الدموية او بجلطة في الدماغ قد تؤدي الى شلل عام في اعضاء جسم هذا الإتحاد....

ويبقى ما حدث في طنجة مجرد تمظهر صغير لجبل ثلج الفساد الثقافي الذي تكرسه ميليشيات وكتائب معينة ،منذ عقود... وتستفيد منه ريعيا.. وماخفي كان أعظم..


المصدر:
http://lakome

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى