نبيل عبدالكريم - نزار قباني و" عقدة" نجيب محفوظ.

بعد الإعلان عن فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل للآداب عام 1988، كتب نزار مقالة في جريدة الأهرام قال فيها عن محفوظ: "ولديه بدلتا (سفاري)، واحدة ينام فيها، وواحدة يستحم فيها".
هذه العبارة المهينة لم ترد في سياق الذم، بل وردت في سياق تهنئة نزار لمحفوظ بمناسبة فوزه بالجائزة، وفيها يرسم الشاعر البورتريه الآتي للروائي: " يقيم صداقات مع بائع الجرائد، وبائع الحليب، وصبي الجرائد. ويقف بالطابور أمام بائع الفول. تلميذ مجتهد يكتب فروضه المدرسية بانتظام، ناسك يؤدي الصلوات في أوقاتها، مجاور يجلس تحت أعمدة الأزهر. قديس يلبس جلّابية بيضاء، ويتجول في الشوارع الخلفية، ويسجل في دفتر صغير آهات المتأوهين."
حتى الحطيئة في هجائه للزبرقان: "واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي"، يبدو أقل لؤماً وخبثاً من نزار وهو يغلّف هجاءه لمحفوظ بصيغة المديح.
بعد توقيع معاهدة أوسلو للسلام 1993، وقع اشباك محدود بين نزار ومحفوظ، على خلفية قصيدة نزار "المهرولون". محفوظ أبدى تقديره لشاعرية نزار، ووصف القصيدة بأنها "قصيدة قوية فنياً، لكنها تدافع عن موقف سياسي ضعيف".
نزار قال لنفسه "يا أهلاً بالمعارك"، أو ربما قال لنفسه "لقد نجحت في تسلق قمة إفرست". وراح يكتب رداً شخصانياً عنيفاً، وصف فيه محفوظ بأنه " يشبه حكومة الظل في بريطانيا"
انتهى الاشتباك عند هذا الحد، ولم يتحول إلى حرب استنزاف كحرب الرافعي والعقاد. فنجيب محفوظ كان كما وصفه نزار تماماً: " رجل السلام والسلامة، ولم يعرف عنه أنه تشاجر ذات يوم مع أحد. وأنه رجل اللاعنف الذي يمسك العصا من منتصفها"
نجيب محفوظ ضرب صفحاً عن الهجمة النزارية، لأنه كان أذكى من نزار بمراحل. وأغلق باب النقاش العلني معه. وظن نزار بنرجسيته الخرقاء أنه انتصر على مؤلف شخصيات "الزعبلاوي" و "الجبلاوي" و " الدرملّي" و " الصناديقي" التي حيّرت النقاد في تعدد طبقاتها.
لم يرغب محفوظ في شخصنة الخلاف مع نزار، ولو أراد لطحنه طحن الشعير، كما فعل بشاعر اسمه صالح جودت، الذي وصفه محفوظ بأنه "الشاعر الفسدقي"، فصار الوصف لقباً له أشهر من الاسم.
الغريب أن البورتريه الذي رسمه نزار لمحفوظ في مقالة المديح هو ذات البورتريه الذي رسمه له في مقالة الهجاء: "رقيق كنسمة الصيف، وحريري في صياغة كلماته، ورسولي في سلوكه على الورق. وفي الحياة. لا يسمح لنفسه أن يجرح حمامة، ولا أن يدوس على نملة، أو يغامر، أو يسافر، أو يغادر زاويته التاريخية في حي سيدنا الحسين. ولا يُعرف عنه أنه تشاجر ذات يوم مع أحد، أو مع رجل بوليس، أو وقف في وجه حاكم أو أمير أو صاحب سلطة. ودائماً يلبس قفازات الحرير في خطابه الاجتماعي والسياسي".
يبدو الموقفان النزاريان، المتعاكسان ظاهرياً، موحدين في الهوس بنمط حياة محفوظ، هوس يشمل ملابسه، وروتين حياته، وانشغالاته اليومية، والفضاء المكاني الذي يعيش فيه. ويرسم له صورة أقرب ما تكون إلى لوحات الرسامين الأوروبيين الاستشراقيين المفتونين بسحر الشرق، وأجواء ألف ليلة وليلة. وكأن نزاراً غريب عن المجتمع العربي، ولم يدخل في حياته حياً شعبياً في دمشق أو أي مدينة غيرها من المدن العربية.
ينظر نزار نظرة تعالٍ نحو محفوظ، ولا يرى فيه إلا بساطة البيئة الشعبية، وقناعة ابن البلد بواقعه، ونصيبه من الدنيا، وقبوله بما قسمه الله له من ظروف عيش وأنظمة حكم.
لم يذكر نزار في المقالتين عملاً من أعمال محفوظ الروائية الكثيرة، بل إنه يقول إن صفات محفوظ الشخصية تقدمت على أعماله الأدبية في الترشيح لجائزة نوبل.
إن جوهر النظرة النزارية إلى محفوظ تضعه في نفس المستوى مع أبناء البلد البسطاء، الذين يصر نزار على حشر محفوظ معهم، فهو لا يعدو أن يكون بائع فول أو حليب أو جرائد اتفق أنه حصل على الجائزة الكبرى في اليانصيب.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى