أنوار الأنوار - أنينٌ في ديار الآلهة

«بالشعرة أنصتُ إلى العالم، لا الأذنُ تسمعه ولا القلبُ يراه. أحاول ما استطعتُ ألا تنقطع»
ديونيسوس الذي لم أعرف منه غيرَ الخُدج يغدرني ويسدّ أبوابَ الجرار. كلّما انغرستُ في رحمٍ تنتزعُني الآلهة، كلّما تعلّقتُ بفخذٍ ركلَتني لأسقطَ من جديدٍ تائهة. وجهي عجيناتٌ لا تتشكّل بها الملامح. لا أنا عرفتُ من الحياة معانيَ ولا ذقتُ من عنبٍ نبيذَه.
«سنكونُ بخير» يقول صوتيَ الأخرس. سنكون بخيرٍ- تغنّيها عجيناتي التي لم تبلغ النضحَ إلا احتراقًا. وأورفيوسُ الذي كم زارَ حلمي خذلَته القيثارةُ يومَ سار ممنيًا قلبًا حميمًا بالقصائد.
كلُّ هذا الغُبش يسكنُ الأوليمب. كلُّ سفليٍّ يخادع العلويَّ حتى يبدّدَه. وأنا مشغولةٌ بغزلي ألملمُه فيتناثر، أمشّط دلعَ النّجماتِ جديلةَ نورٍ أراوغ بها القمرَ لأحيكَ من خيوط هالتِه ثوبًا أغري به العتماتِ كي تخبوَ قليلًا.
٭ ٭ ٭
كأنّي النهرُ والأشجار والعصافير، أبكي انتشاءً كلما عاد صوتك الأشبه بقيثارة أورفيوس. يفيض النهرُ دمعًا عذبًا، تسقسق العصافير رقصاتٍ شجيّة، تلوح الأشجار مترنّمةً بموسيقاك، وأنسى أنني قبل لحظاتٍ فقط كنتُ أقسم أنّ الموتَ هو الحيّ الوحيد ها هنا. اللذّة يا جميلي هي هذا النشور ينبعث في كلّ كائناتي كلّما عزفتَ حرفك الوحيد فأقوم كأنّي لم أمُت في غيابك لحظةً.
بالأمس، كنتُ أراقب دمعَ شَعري الذي سئمَ ترتيبه واشتاقك تنثره. لا لذّة في رتابة تسريحةٍ لا تبعثرها أناملك الحياة. لا نشوة في جمودٍ يسود الهواء إذ يباغتك السكون. وحده صوتك القيثارة. وحده اسمي لحنك. وحدي كلّ الكائنات التي تنبعث مسلوبةً من سحر عزفك.
٭ ٭ ٭
كانت مثلَ ربٍّ رحيمٍ يربّت على عباده المتعَبين في كلّ العوالم. لكنها كانت تعشق دربًا بين كوكبَين، طويلًا هادئًا. كانت كلما عبرته تطلق صرخاتها المكبوحةَ وتبكي. مثلَ طفلةٍ صغيرةٍ
تبكي. مثلَ شمعةٍ ذاويةٍ تبكي. مثلَ ظلٍّ فقدَ جسده الأصل تبكي. حتى إذا بلغت الكواكبَ عادت ترتدي وجهَ السكون مربّتةً، حابسةً شهقةً أخرى في انتظار الدرب من جديد.
٭ ٭ ٭
وقلبتُ كلَّ موازين الحكاية: تركتُ للشيب شعري وجعّدتُ الملامح، وقتلتُ فينوسَ فيّ كيلا تجرح شهوانيةٌ عفةً من أدونيس.
وتركتك تمضي في البراري والسهوب، ورميتُ بسهام السمّ كلَّ الأفاعي والوحوش لئلا تعترض دربك. وإذ رأيتك تعبر الأنهار حرًّا خيّطت شفتيّ بضربة موتٍ، كيلا تخون تواّقةً نحو القبَل.
وارتضيتُ الحبَّ خيالا وحلمًا.. بيدَ أن الشوقَ غالب.
كلُّ هذه النيــــران والحرائق.. ليست سوى شوقٍ يوهّجه المشيب!
٭ ٭ ٭
أنا الفاشلةُ خابت معانيّ، وما زلتُ أحلفُ كذبًا أنني الحيّة، وما زلتُ أخاتلُ غيمةً لترشّني برذاذ ما لم يبلّلني إلا خداعًا ووهمًا.
كلّ هذا الليل يمتدّ إليّ، وأقسمُ عنادًا بصوتيَ المبحوحِ من نبراته أنّ الاغانيَ لن تغيبَ، وأنني يومًا سأبعثها إليك لتعودَ تنتسجُ اكتمالًا لديّ.

٭ شاعرة فلسطينية/ الجليل

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى