عبد القادر وساط - الطاغية يمتحن وزيرَ المطر

جاء في كتاب " إتحاف الخلان بأخبار طاغية نجدان مع الوزراء والأعيان " لأبي بكر الخالدي، الملقب بِريق الدنيا:
حدثنا الشيخ محمد النويري عن المفضل العباسي، عن الراغب المسعودي، عن شيخنا أبي الفضل النجداني، قال:
كنا يوما بمجلس صاحب نجدان، وقد اجتمع لديه الوزراء والأكابر، فمنهم وزير المطر، ووزير الغنى والفقر، ووزير الهزل والجد ، ووزير الأطلال، ووزير الأبيض والأسود ووزير الألوان، ووزير النوم والسهر، ووزير الجوع و العطش. ودارَ حديث الجالسين حول أشعار الأقدمين وأخبارهم، والطاغية يصغي ولا يتكلم. ثم سمعناه يتنحنح فعلمنا أنه سيتحدث في شأن من شؤون الدولة وسكتنا ننتظر. وإن هي إلا لحظة حتى تنحنح من جديد، ثم توجهَ بالكلام إلى الشيخ أبي القاسم السعدي، وزير المطر، وسأله قائلا:
- أخبرني أيها الشيخ الوزير، من القائل:
سلام الله يا مطراً عليها = و ليس عليك يا مطرُ السلام؟
قال الوزير:
- البيت للأحوص أيها الطاغية. وهو من شواهد سيبويه، وقد شرحه البغدادي في الخزانة وابنُ هشام في مغني اللبيب وآخرون كثيرون. وكان الأحوص يعشق امرأة، فتزوجها رجلٌ اسمه مطر، فشقّ ذلك على الأحوص فصرح بما كان يكتمه.
قال الطاغية:
- صدقت أيها الوزير. فأخبرني الآن ما الوسْميّ؟
قال الوزير:
- الوَسْميّ - كما لا يخفى عليك - هو المطر الأول.
قال الطاغية:
- أحسنت. فما الطلّ وما الوابل؟
قال الوزير:
- الطل - أيها الطاغية الهمام - هو المطر الخفيف، يَكُون له أثر قليل. والوابل هو المطر الغزير. وقد قال الله تعالى في سورة البقرة ( فإنْ لم يُصبْها وابلٌ فَطَلّ .)
قال الطاغية:
- فما البيت الذي ذكرَ فيه أبو الطيب المتنبي هاتين اللفظتين؟
أجاب وزير المطر:
- هو قوله:
إذا مَطرَتْ منهم و منك سحائبٌ = فوابلهمْ طلٌّ و طلك وابلُ
قال الشيخ النجداني:
فتهللتْ والله أساريرُ الطاغية عند سماع ذلك الجواب، ثم عاد يسأل الوزير الشيخ:
- فما الدِّيمة، رعاك الله؟
قال الوزير:
- الديمة - يا طاغية الزمان، ومستبدّ العصر والأوان - هي المطر المتصل، دون رعد أو برق .
قال صاحبُ نجدان:
- فاذكر لي بيتا شعريا جاءت فيه هذه اللفظة.
قال الوزير:
- الأبيات كثيرة، كما لا يخفى علىٰ سيّد الطغاة، ولكن أفضلها هو قول طرفة بن العبد:
فسَقى ديارَك غيرَ مُفْسدها = صَوبُ الربيع و ديمةٌ تَهْمي
فطرب الطاغية طربا عظيما عند سماع ذلك البيت، وقال:
- نعم أيها الوزير، هذا بيت لا نهاية له في الحسن.
ثم إنه التفتَ إلى كبير وزرائه وقال له:
- إنما يَصلح للوزارة أمثالُ شيخنا أبي القاسم السعدي هذا. وإني لن أقبل أبدا أن يتولى الوزارةَ في نجدان من لا يتقن لغة العرب و يحفظ أشعارهم ويروي أخبارهم. وها أنا أكافئ الآن وزيرنا الشيخ أبا القاسم، وأكلفه بمسؤوليات جديدة، إذ سيصير من هذه الساعة " وزيرا للمطر والبرق والرعد وتَعَاقُب الفصول. "
وبعد لحظة من الصمت، عاد الطاغية يقول لكبير وزرائه:
- غدا بحول الله سأمتحن باقي الوزراء.
ثم أشار بيده كي نغادر المكان.
قال الشيخ أبو الفضل النجداني:
فلما غادرنا مجلس الطاغية مال عليّ الشاعر الربضي وقال لي:
- الحمد الله على أننا لسنا وزيرين في حكومة الطاغية!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى