محاورة بين أحمد بوزفور وعبدالقادر وساط

أحمد بوزفور

وأنا أقدم نفسي واحدا من المدافعين عن الأصمعي أمام محكمة الطاغية. وأقدم أمام المحكمة هذه المذكرة الافتتاحية في انتظار المحاكمة: ( عبد الملك بن قريب الأصمعي عالم تقي النفس خبير بلغة العرب وأشعارها لا يعيبه إلا أنه يتكلم همسا، فيتقدمه في المناظرة ذوو الصوت العالي بالرغم من تاخرهم عنه في العلم. وقد جمع سليمان بن علي الهاشمي بالبصرة بين المفضل الضبي والأصمعي، فأنشد المفضل بيت أوس بن حجر:
( وذات هِدْمٍ عارٍ نواشرُها/ تُصمتُ بالماء تولَبا جدعا )
{ والهِدم الثوب البالي.. والنواشر عروق الذراع.. والتولب الجحش الوحشي من حمار الوحش والجَدَع السيئ الغذاء}. وأنشد المفضل ( جدعا ) في البيت بالدال المعجمة ( جذعا ). فقال له الأصمعي، وكان أحدث سنا منه: إنما هو تولبا جذعا، وأراد تقريره على الخطأ، فلم يفطن المفضل وأجابه: وكذلك أنشدتُه. فقال الأصمعي: أخطأت ( إذن ). إنما هو تولبا جَدَعا. فقال المفضل: جذعا.. جذعا.. ورفع صوته ومدّه. فقال له الأصمعي: لو نفخت في الشَّبُور ( البوق ) ما نفعك. تكلم كلام النمل وأَصِب.

أما أبو عمر الجرمي العالي الصوت فيكفي في المقارنة بينه وبين الأصمعي ما رواه المبرد في كتاب التعازي عن المجلس الذي جمع بينهما وقال فيه أبو عمر: أنا أعلم الناس بكلام العرب. فقال له الأصمعي: كيف تُنشد هذا البيت:
( قد كُنَّ يخبأن الوجوه تسترا = فالآن حين بدأن للنُّظَّار )
أو حين بَدَين؟ قال أبو عمر: حين بدأن. فقال الأصمعي: أخطأت. قال أبو عمر: بدين. قال الأصمعي: أخطأت ياأعلم الناس بكلام العرب.. حين بَدَون. والبيت الذي طرحه الأصمعي لامتحان أبي عمر هو للربيع بن زياد العبسي في رثاء مالك بن زهير العبسي من أبيات يقول فيها:
( من كان مسرورا بمقتل مالك = فليأت نسوتَنا بوجه نهارِ
يجد النساء حواسرا يندبنه = يضربن أوجههن بالأسحارِ
يخمشن حُرَّ وجوههن على فتى = سهلِ الخليقة طيب الأخبار
قد كنّ يخبأن الوجوه تسترا = فالآن حين بدون للنُّظّار )
نعم. ربما كان الأصمعي خافت الصوت يتكلم كلام النمل، ولكنه يصيب
مزاب الولود المنجبة... تلد الشعر أيضا. لو كنت في بلدية ابن أحمد لعلقت بيتي سي عبد القادر على بوابة المدينة
أما أن الأصمعي مزابي فممكن جدا، ليس بناء على قول ( طرفة ) فقط، بل كذلك لأن الأصمعي كان مماحكا ومثيرا رائعا للخصام.. وقد سألتُ ذات يوم أحد أصدقائي المزابيين: من هو المزابي؟ فأجاب: هو الذي يذهب إلى حمّام بلدي مع الفجر، فلا يجد فيه إلا شخصا واحدا قرب البرمة، فيقصده ويقول له: نوض لي من بلاصتي... وكذلك كان الأصمعي.
لم لا؟ وس ( أتحزّم ) بكل أدباء مزاب
شايلاه آسيدي امحمد البهلول

***

عبد القادر وساط

مساء الخير
أرى أن تُعقد محاكمة عادلة لصديقنا الأصمعي
وللطاغية - إن هو رغبَ في ذلك- أن يقوم بدور النيابة العامة
أما الدفاع فليهنأ الأصمعي وليطب نفسا، ما دام أحمد بوزفور شخصيا قد سجل نفسه ضمن هيئة الدفاع
وهل هناك من هو أجدر أو أكثر كفاءة واطلاعا على هذا الملف الصعب من سي أحمد؟
أبشر إذن يا أصمعي:
هذا الأديب الألمعي = بوزفور فاعلم و اسمع
يحميك من كل دعي = بعلمه في المجمع
نعم أخي
والدليل على أن أن الأصمعي مزابي هو قول طرفة بن العبد في معلقته:
لخولة أطلال تلوح كأنها = بقايا غيوم في سماء ابن أحمد
بها منزل للأصمعي و آخر = أقام به الشيخ الخليل بن أحمد
. يا صديقي العزيز
أنت مقيد في لجنة الدفاع عن الأصمعي
فلعلك ستبني جزءا من دفاعك على أصوله المزابية

وقصة الأصمعي مع الكناس الذي كان يكنس الأزبال و هو يتغنى بقول العرجي:
أضاعوني و أي فتى أضاعوا = ليوم كريهة و سداد ثغر
هذه القصة تصلح في رأيي مدخلا لدراسة الجانب المزابي في شخصية الأصمعي
كان أحمد السنوسي يقول: la loi c'est l'aloi
وكلمة la loi هنا هي النطق الفرنسي لكلمة " العلوة"
فلعل سيدي محمد البهلول يرفع عنا هذا الضيم المتولد عن ظلم طاغية نجدان
وأنا الآن في القطار أحاول أن أستحضر قصيدة أدونيس عن (البهلول)
ومن الحكايات التي تُروى عن الأصمعي، والتي تدل على ولعه الشديد بالشعر الجيد، أنه كان يوما ببغداد فعرضَ عليه أحدهم شعرا رديئا فلما سمع ذلك الشعر شرعَ في البكاء، فقيل له: ما يُبكيك، يا أصمعي، فأجاب: " يُبكيني أنه ليس لغريب قَدْر، فلو كنتُ ببلدي البصرة ما جسرَ هذا الكَشْحانُ أن يَعرض عليّ هذا الشعر..."

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى