محمد بقوح - عنف العدالة

إن المرهون برحمة الطاغية لا يمكن أن يكون عادلا، لأنه ليس حرا، ولا يتمتع، في الأصل، بقوة الإستقلالية الفكرية والجرأة اللازمة التي يجب أن تمكنه من أن يكون مصدر الحكم العادل. وبالتالي، يستحيل أن يكون الموقع الذي يحتله هذا الشخص مساعدا إياه، حتى وإن أراد أن يكون عادلا ليرضي ضميره الأخلاقي، في اتخاذ قرارات عادلة سليمة. إن فاقد الشيء لا يعطيه، كما يقال. لهذا، فالعدالة بمعناها الحقيقي المعروف لدى الجميع، وفي كل الثقافات والحضارات البشرية، قديما وحديثا، تفترض من مُنتجها أن يكون شخصا (أو مؤسسة) مستقلا ماديا، ومتسما بقوة داخلية أخلاقية ومبدئية عظمى، تترجم إلى سلوك عملي جريء، يصدر من خلاله أحكاما قطعية صارمة ومسؤولة، مجردة ومنصفة لطرفي النزاع القائم. أي لصالح أو ضدّ المتصارعين على امتلاك الحق المستحق، ويرغبان في تكريسه، ومن تمّ طلب عدالة نزيهة وشفافة أمام المجتمع الوطني والإنساني، وليس تعميق جرح عدالة مستبدة منفرة ومضادة لروح العدالة الحقة..
لهذا، حين يتدخل السياسي وسلطة السياسة، أو إحدى سلط المجتمع، في تحديد وتوجيه وتحقيق العدالة المعنية، لابد أن تصبح هذه الأخيرة عدالة مستبدة، طاغية، ومسيّسة، مزيفة، جوفاء وفارغة من معنى العدالة الحقة المطلوبة، ليغلب فيها آنذاك القوي المتسلط على الضعيف الفاقد للقدرة على حماية نفسه ومواجهة طغيان التسلط، فيسود قانون الغاب حينئذ، ليكون المجتمع بكامله على حافة بركان غضب الحرب النفسية (التي قد تليها الحرب المادية)، وينتشر الاحتقان الاجتماعي، ويكرس الانحطاط الثقافي بكل تجلياته القيمية والحقوقية والحضارية.
ليس من مصلحة الأفراد ولا الجماعات ولا المجتمعات، ولا حتى بني البشر ككل، أن يدعي الإنسان التفوق على نوعه الإنسان، أويتجاوزه في نهج التطبيق الأعوج والمنحرف للمبادئ السامية المنظمة لحياة الناس. لأن الممارسة المضللة والفاسدة لمبدأ القانون والعدالة والإنصاف مثلا لابد أن تؤدي إلى الباب المسدود وإلى جحيم المجهول. لهذا، فالذي يجب أن يكون هو أن الجميع سواسية أمام القانون، دون ميز أو حيف أو تفريق، باعتبار أن الحق في العدالة، في نهاية المطاف، هو الوجه الآخر للحق في الحياة الكريمة.
إن العدالة بهذا المعنى هي تلك الشمس الساطعة التي يفترض فعليا وعمليا أن يستفيد جميع المواطنات والمواطنين من نورها المشع، أينما كانوا.. وحيثما وجدوا ..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى