أمل الكردفاني - (انجيل مريم) المجدلية التي أحبها يسوع فتقدست على يده

لقد أحبّ المعلّم مريم أكثر من كل رسله. وغالبًا ما كان يقبِّلها من فمها. وقد شاهد باقي الرسل حبّه لمريم، وقالوا له: لماذا تحبّها أكثر منّا؟ فأجابهم المخلِّص قائلاً: لماذا يا ترى، لا أحبكم بمقدار ما أحبها؟

هذه إجابة عجيبة جدا ؛ فهي اجابة بصيغة سؤال ، وهي تعطينا ميزانين للعاطفة ؛ ميزان التلاميذ التقليدي (ميزان القلة والكثرة) ، وميزان المعلم وهو ميزان (المقدار غير المحدد) ، فهو لم يقل اكثر او اقل لأن العاطفة لا توزن بقياس معياري ثابت (حب المسيح لتلاميذه) ، وانما بمقادير غير محددة ، (بمقدار ما أحبها). وهنا ننتقل الى فكرة التحول الى النوعية وليس الكمية. فنوعية حب يسوع للمجدلية مختلف نوعا ، بكثافة مختلفة. كما أن الاجابة تضعنا أمام احتمال اختلاف الحب الموجه من الرجل للرجل عنه من ذاك الموجه من الرجل للمرأة. لقد اثارت العلاقة بين المسيح ومريم جدلا كبيرا حول ما اذا كان قد تزوجها ، وذلك ليعلن عن جانب من بشريته مما يدعم وظيفته كمخلص بالموت. فالإله الكامل لا يمكن أن يموت وهكذا يضحى موته خلاصا للبشرية مجرد وهم وتهويم.
اما (رسولة الرسل) -كما اطلق عليها بولس-مريم المجدلية فظلت شخصية غامضة وفقا للاناجيل المختلفة ، وفي الوقت الذي اكتفت فيه الاناجيل الرسمية بتصويرها كتابعة للمسيح دون ان تلعب دورا فكريا بقدر ما لعبت دورا ميتافيزيقيا هائلا غير مسار المسيحية الى فكرة الموت والقيام عندما كانت اول من ظهر لها يسوع بعد الصلب ، إلا أنني عندما قرأت الانجيل الذي يحمل اسمها وهو من الاناجيل التي رفضتها الكنيسة باعتباره انجيلا منحولا ، وجدت ان شخصية مريم المجدلية التي تم تهميشها كمفكرة ربما بنزعة ذكورية عنصرية تم التعرض لها كمفكرة او ناقلة لأفكار انطولوجية اسر لها بها المسيح دونا عن باقي الرسل أو التلاميذ.
في انجيل مريم تبتدر هذه اخبار التلاميذ بأسرار فلسفية خاصة بالمادة والروح والذكاء فتقول وهي تسأل المعلم: ما هي المادة؟ أتراها ازلية؟
وهذا السؤال من الاسئلة الفلسفية الكبرى التي انتقلت جيلا بعد جيل منذ افلاطون وحتى اليوم، فما هي المادة ، لا زالت العلوم تبحث عن سر المادة ، وها هي فيزياء الكم تصل بنا الى نتائج شديدة التعقيد. هل هي ازلية ؛ فالمادة لا تفنى ولا تستحدث؟ يجيب يسوع : إن كل ما هو مولود وكل ما خلق وكل عناصر الطبيعة متداخلة ومتحدة فيما بينها.
فهل هي رؤية ابنة عربي حول وحدة الوجود. يجيب المسيح: كل ما هو مركب سيتفكك ، ويعود كل شيء إلى جذوره ، المادة ستعود آلى أصول المادة . ويستمر انجيل مريم لتتحول المجدلية من مجرد تابعة الى منتجة للمعرفة الكونية والميتافيزيقية. فهل من صاغ او صاغوا انجيل مريم قصدوا ذلك من باب رد الاعتبار لهذه الانثى ، أم من باب عدم منح ما قالته موثوقية تتعرض مستقبلا للدحض فيتعرض المسيح نفسه لشبهة الخطأ؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى