أحمد عمار - المصطلحات الطبية ونهضة العربية بصوغها في القرن الحاضر

اللغات كائنة حية نامية متجددة - ما تجددت عاشت، فإن جمدت ماتت. ولقد تعتورها من آفات الإفراط والتفريط أدواء لا منجاة لها منها إلا أن تكون بين ذلك قواما، وتلزم بينهما قصد السبيل.

وإن لكل لغة أوضاعا مأثورة، ومطالب يقتضيها منها العصر - وعلى قدر توفيقها في المزاوجة بين الحفاظ على تراثها، ومسايرة زمانها يكون حظها من قوة الحياة. فإن هي اشتطت في المحافظة إلى حد الجمود، أو نبذت قديمها تهافتا على الجديد، دب إليها دبيب الوهن، وتناوشتها عوامل الفناء.

وللغة العربية ميزة فذة على سائر اللغات - إذ تنزلت بها آيات الهدى والفرقان، وإذ شرفها الله تعالى بمحكم قوله: (إنا أنزلناه قرآنا عربيا) وبصادق وعده: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)

ولغة هذا شأن تراثها - بل شأوه من التقديس - لا عجب إذا هي انقادت بديهتها، فغلت في المحافظة حذر التجديد. . ولكنها إن أعملت رويتها، أدركت أنها إن تغل في الحذر - فمن مأمنه قد يؤتى الحذر، وأنها إن تجمد على القديم، تفد على الأيام لغة قصاراها الدين، بعد إذ كانت في عنفوانها لغة الدنيا والدين، وتتنكر بذلك لتراثها ذاته، بل لسنة الحياة لا تبديل لها، وهي أن ما ينفع الناس يمكث في الأرض. فتلك سنة لا تفد عنها اللغات، فهي إنما تمكث في الأرض بما توفره من منافع للناس في شتى ضروب تواصلهم في أمور معاشهم. وإنا لتعاصرنا لغات موفورة الحياة، لا تكف عن التجدد ليل نهار، لتلاحق فيوض القرائح وأفانين الابتكار، فلا يلحقها من هذا التجدد ضير، بل لا يزيدها التجدد إلا قوة ونماء.

ولقد وسعت لغتنا في ريعانها من مطالب الحضارة أعلاها مرتقى، وأصعبها شعابا، ومن بينها الطب، إذ بلغ شأوها فيه أن تلقاه عليها الغرب، وتدارسه في كتبها حقبا طوالا.

كان ذلك إلا لأن أسلافنا لم يبتلوا بذلك الداء الدوي، وهو فرط الحذر، ولم يخشوا في النقل عمن سبقهم من الأمم لومة لائم، بل أقبلوا عليه إقبالا لعلهم كانوا فيه إلى العجلة والاندفاع أقرب منهم إلى التؤدة والأناة، فما أضر بهم ولا بلغتهم قليل الاندفاع. ولو أنهم أسرفوا في الحذر - لما خلد لهم في التاريخ ذكر ولا بقى لهم في العلم أثر.

ثم دارت الأيام بهذا المجد العربي المؤثل، فدالت دولته، وطال باللغة تخلفها عن قافلة الزمان، حتى كان مبزغ النهضة المصرية الحديثة، التي تصدرها المجدد العظيم محمد علي، فأخذت اللغة تصحو من سباتها الطويل. وكان من بواكير هذا الصحو أن تعاون القائمون بالتعليم الطبي حينذاك على نقل المصطلحات الطبية إلى اللغة العربية، أثمر هذا التعاون معجم التونسي المسمى (الشذور الذهبية في المصطلحات الطبية) - ذلك المعجم الذي ألقت به عصا التيسار إلى متحف باريس، ثم نقلت عنه صورتان شمسيتان إلى دار الكتب المصرية. وهذا المعجم يشتمل على مفردات عربية مشروحة لا تقابلها مرادفاتها الأجنبية، ويقع في اثني عشر جزءا، لم يقدر لها أن تنشر، فيما عدا مائة صفحة منها عنى المرحوم الدكتور أحمد عيسى بك بنشر مفرداتها مترجمة إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية. ومن أسف أن هذا الجهد الذي كان خليقا بالنفع لم يمض إلى غايته. وحبذا لو عنى مجمعنا الموقر بتزويد مكتبته بكثرة ما حوى من مفردات صالحة للاقتباس الطبي، مستخرجة من معاجم عدة.

على أن هذه النهضة العربية في القرن الماضي، ما لبثت أن منيت بمثل ما منيت به النهضة السياسية من عثار لم يكن منه مقيل حتى مطلع العشرين، حين قيض الله سبحانه وتعالى المصطلحات الطبية العربية طبيبا كبيرا هو المرحوم الدكتور محمد شرف بك، ملك عليه حب العربية مشاعره، فبذل لها من فكره وجهده، ومن ماله ووقته، ما تنوء به العصبة أولو القوة؛ غير مشفق من أن، يحمل وحده أمانة تؤود رهطا من الإثبات إذ أخرج للناس معجمه الضخم الذي ينتظم سبعين ألفا من المصطلحات، لا في الطب بمختلف فروعه وحسب، بل في كل ما يمت له بصلة من سائر العلوم. وبحسب هذا المعجم أن يكون الأول من نوعه في العربية، وأن يقوم شاهدا على ما تستطيعه الهمة الشماء إذا ما تجشمت جلائل الأمور.

ثم أذن الله للغة العربية أن تسترد مجدها التليد بإنشاء هذا المجمع الموقر الذي يضم صفوة من أئمة اللغة وفقهائها، وجهابذة 3804 علمائها، الخبراء بمختلف حاجاتها، البصراء بما يجدد شبابها ويعيدها سيرتها الأولى قوية فتية موفورة. فحقق بما استن من قواعد، وبما وثق من ألفاظ، بشرى أهل العربية به، على أتم وجه وأوفاه - لولا ما إعتاقه من قصور وسائله في إعلان عمله للناس، وافتقاره لطائفة من أمهات المراجع، واحتياجه لمزيد من العاملين في مختلف اللجان - ولولا شئ آخر، أرى واجبا على وقد شرفني المجمع بعضويته، أن أهمس إليه به، وهو حيرته التي طالت سبعة عشر عاما، بين إشفاق على القديم، ووجل من الجديد فما عدة النهضات إلا الإقدام.

ولئن شئنا أن نشفق فلنشفق من الجمود والاندفاع على السواء. أو فلنشفق من الجمود أكثر مما نشفق من الاندفاع، ولنتوسط بينهما السداد ما استطعنا إليه سبيلا. فلقد جاء في الأثر الشريف (خير هذه الأمة النمط الأوسط: يلحق بهم التالي ويرجع إليهم الغالي)، وإنا لهذا النمط الأوسط لمتبعون. ولنضرب لذلك الأمثال:

من قواعد صوغ المصطلحات العلمية عامة، والطبية خاصة، أن يحبس المصطلح على معنى بذاته منعا من التباسه بأي معنى سواه. ولذا لجأت اللغات الأجنبية إلى اللغات القديمة كاليونانية واللاتينية فاستمدت منها أكثر مصطلحات العلوم متوسلة إلى ذلك بأية مناسبة، وإن كانت واهية، من مناسبات المعنى المراد

فالمرض الجلدي المعروف بالإكزيما مثلا - من علامات دور من أدواره ظهور نفطات أو حويصلات مليئة بما يشبه الماء على ظهر الجلد. فمن المشابهة البعيدة بين هذه النفطات وما يظهر من فقاعات على سطح الماء عند غليانه: استمدت لتسمية المرض كلمة (إكزيما) وهي كلمة لاتينية تفيد معنى الغليان، وحبست على المرض فأصبحت علما عليه لا تنصرف إلى شئ سواه.

فما عسى أن نترجم به هذا المصطلح إلى العربية؟ إن أول ما ينبغي أن نتوخاه هو أن يكون لفظنا مفردا كنظيره الأجنبي. ذلك لأن من ضرورات استعماله أن نسوقه في صيغة صفة أو مصدر أو إضافة أو نسبة - في نحو قولنا: جلد متأكزم، أو اكزيما الوجه، أو تغيرات الأكزيمية.

فها نحن أولاء قد استخدمنا المصطلح الأجنبي على جهة التعريب فأوفى بالغاية. أفنوثق هذا التعريب من فورنا غير متحرجين، أم نتمهل لعلنا نظفر بغيتنا من سبيل الاشتقاق؟ لقد سبق أن ترجم هذا المصطلح اشتقاقا (بالغليان) على المقابلة بأصل المعنى اللاتيني. فهل تفي هذه الكلمة بالمراد؟ أإذا قلنا (الغليان) أمكن أن ينصرف المعنى في ذهن السامع إلى ذلك المرض الجلدي؟ فإن قلنا (داء الغليان) - ففضلا عن أننا تجاوزنا عن مقابلة اللفظ المفرد بمفرد مثله مما هو مستحب - فقد أوجبنا التساؤل: أداء اجتماعي هو أم فردي؟ أو نفساني هو أم جثماني؟ وأي الأعضاء يصيب؟ فان قلنا (غليان الجلد) فقد أوقعنا القول في الذهن موقع حيرة وغرابة: إذ كيف يغلي الجلد؟ وأي جلد ذاك الذي يغلي؟

وإنما الذي أوجب كل هذه الحيرة: هو أننا استخدمنا لفظا شائعا لمعنى علمي، فلا نحن تركناه لمعناه الشائع، ولا نحن استطعنا أن نحبسه على المعنى العلمي المراد بعد أن انتزعناه من استعماله العام. ومن ثم فقد سلبنا اللغة لفظا من رصيدها المتداول دون أن ننتفع به فتيلا. وهذا ما تفاداه الاصطلاح الأجنبي باستمداد الكلمة من لغة دارسة، مما لا سبيل لنا إليه إلا أن نستمد من لفظ عربي مهجور.

فإذا لم نوفق إلى مقابل لكلمة (إكزيما) عن طريق الاشتقاق على النحو الذي أوضحناه، فلم لا نلبي من فورنا حاجة الاستعمال العاجلة باللجوء إلى التعريب، بأن نعهد في غير تردد بكلمة (الاكزيما) لذوى الملكات المطبوعة من رجال اللغة، ليوثقوها كما هي أو ليلصقوها بما يتسق مع الذوق العربي، كأن يقولوا (الأقزيم) أو (الأكزيم) حسبما يرون، في غير إغراب أو ابتعاد بالنطق عن اللفظ الأجنبي.

وهبنا بعد إذ وثقنا الكلمة بالتعريب، جاءنا من يقول إنه وجد في مادة (كزم) كلمة (التكزيم) بمعنى التفقيع، وفي مادة (قفع) كلمة (القفعاء) بمعنى الأذن التي كأنها أصابتها نار فتزورت من أعلاها إلى أسفلها، ثم كلمة (القفاعي) بمعنى الأحمر ينقشر أنفه لشدة حمرته، وأحمر قفاعي لغية في فقاعي مقدمة إلغاء، وهو قفاع لماله: لا ينفقه.

وذكر القائل بعد ذلك أنه زعيم بأن الفقاعة إنما سميت لذلك لأنها تحتجن ماءها كما يختجن القفاع ماله فلا ينفقه، وأن ما تشبه الفقاعات في الإكزيما إن هو إلا دور من أدوارها يسبقه دور احمرار لك أن تصف حمرته بالأحمر القفاعي، وأن الانقشار دور من أدوار الإكزيما كذلك، وأن الأذن التي أصابتها نار فنزوت من أعلاه إلى أسفلها لتوحي بالأذن التي أصابتها الاكزيما بالتهاب كلذعة النار وتورم تتزوى منه أن تعوج. وخلص القائل من تفسيره هذا الذي أدهشنا أشد الدهش إلى أن من حق لغتنا علينا ألا نستعير لها الألفاظ، وإنها لتحويها.

فهل من ضير يضيرنا إذا نحن عدنا إلى الاشتقاق بعد التعريب؟ ولماذا لا نترخص في الاشتقاق من مناداة (كزم) هذه، فنقول (كزيمة) مثلا لاسم المرض، و (نكزم) للفعل، (ومكزما) للصفة، و (تكزيما) للمصدر. ولما لا يحق لنا أن نكمل تصريفها قياسا على مادة تشبهها، لغير قيود لا موجب لها في لفظ مهجور رآه مدونو المعاجم أنفسهم غير جدير باستيفاء التعريب.

وأيهما أحفظ لتراث اللغة: أن ندخل عليها لفظا أعجميا مهما صقلناه بدا في لغتنا كالرقعة المختلفة عن نسيج الثوب - أم أن نرقع ثوبنا من نسيجه نفسه فتتسق رقعتنا مع الثوب؟

وما بالنا إذ ما تأبت علينا قواعد الاشتقاق لا تقبل الكلمة المقترحة على أي جهة من جهات القبول؟ بل ما بالنا إذا ما اختلفنا في المفاضلة بين اكزيما وكزيمة، لا نوثق الكلمتين معا، تاركين للذوق العام أن يستقر على تخير إحداهما بمقتضى مزاياها في الاستعمال. وها هنا تتضح أمامنا معالم الطريق، فإن أول ما يجب أن نتجه إليه في صوغ المصطلح العلمي، هو البحث عما إذا كان لمعناه في لغتنا لفظ يقابله ويؤدي معناه في غير لبس وثقل؛ فإن وجدناك فذاك، وإلا بحثنا في مهجور الألفاظ عن لفظ يمت معناه للمعنى المراد بصلة دالة مميزة، فإن استيسرت لنا بضعة ألفاظ تمت للمعنى بمختلف الصلات، كان أولاها بالاختيار أقربها معنى وأنسبها لفظا للمصطلح الأجنبي. وليس حتما أن يكون اللفظ خفيفا وجيزا إن كان مقابله الأجنبي ثقيلا طويلا. على أنه من التوفيق أن يخفف اللفظ ويقصر، ومن غاية التوفيق أن تكون بينه وبين مقابلة مناسبة شبه في نطق، أو وزن، أو مخرج، أو حرف غالب، مما يزيده موائمة للأصل، وسهولة في الحفظ وطلاوة في الاستعمال - ومن ثم جدارة بالتداول.

والآن فلندع مثلنا الأول - هو الاكزيما - بعد إذ أفضنا فيه توضيحا لبداية الطريق، ولنضرب مزيدا من الأمثال الموجزة للاشتقاق، فالتعريب، فالنحت - توضيحا لسائر الطريق.

فكلمة (الأوذيما) التي عربها الرئيس ابن سينا لمقابلة الكلمة الأجنبية التي تنطق (إديما) - والتي تعني ارتشاح الماء تحت الجلد لم لم يعربها (إديما) كما هي بدلا من (أوذيما) التي لا تطابق في نطقها الذوق العربي؟.

وما الذي يفيدنا بتعريب الأولين إن لم نجد ما يوجبه؟ بل لماذا لا نشقق لهذا المعنى كلمة مثل (دئيمة) من مادة (دأم) - وقد تضمنت: تدأم الماء الشيء: غمره، بل لماذا لا نقلب هذه الكلمة فنقول (إديمة) والقلب جائر في الاشتقاق؟ لعل ابن سينا نفسه، لولا تعجله بالتعريب، ملاحقة بالعلم، لوجد في مثلنا هذا مندوحة عن التعريب والاشتقاق.

ومما يؤخذ على بعض الأقدمين في تعريبهم - ولعلهم بالأغراب الشديد فيما عربوا دون ما حكمة فيه. فكلمة وهو نبات يشبه نبات اليمضيد، التي يمكن أن تعرب بكلمة (طرقساق) قد عربها الأقدمون - ومن بينهم ابن سينا وابن البيطار وداود الأنطاكي والطبري - بما ينيف على الثلاثين تعريبا، تشترك جميعا بل تتبارى في الثقل والأغراب على تفاوت ذلك ما بين (طرخشقون) و (تلخشكوك) و (تلحسكوك) و (طليخم) و (تلخ)!

ولقد أسرف قدماؤنا في التعريب حتى كادوا يهملون ما هو أحفظ منه للغة وأدل منه على محاسنها وهو الاشتقاق، فعربوا - مغربين في التعريب - حيث كان يسهل بل يجزل الاشتقاق. فعلم الحساب مثلا عربوه: (أرثماطيقا)، والتحليل: (أنا لو طيقا) وما وراء الطبيعة: (ميتا فيزيقا).

ولعل مرد إسرافهم هذا في التعريب إلى ثلاث أمور: أولها جهلهم بما لأصول المصطلحات من المعاني في قديم اللغات التي ما كانوا ليعنوا بدراستها. وثانيها مراعاتهم مقتضى الدقة العلمية بحبس المصطلح العلمي على معناه الخصيص لكي يحتفظوا بالصلة العلمية بين لغتهم وسائر اللغات. وثالثها إيثارهم سهولة التعريب وسرعته على صعوبة الاشتقاق وبطئه، تلفها منهم على ملاحقة عصرهم فيما نقلوه إلى لغتهم من مختلف العلوم.

ووجه العجب في الأمر أن يكون هذا منزع قدمائنا إلى التجديد، بينما نقف نحن حيارى نتردد ما بين المحافظة والتجديد فيلاحقوا عصرهم البطيء واثبين، ونخلد نحن في عصرنا الوثاب إلى الهوينى!

فلقد ترجمنا الفزيولوجيا مثلا بالوظائف، وسمينا المشتغل بها (الوظائفي). فأية وظائف هي؟ أهي وظائف الحكومة وغيرها بالمعنى المتعارف الآن، أم هي المرتبات على المعنى اللغوي الصحيح؟ أإذا أردنا أن نعيد ميزانية لقسم الفزيولوجيا بكلية الطب مثلا قلنا: الوظائف لقسم الوظائف تنقسم إلى وظائف وظائفيين، ووظائف موظفين غير وظائفيين؟ ولنقس على هذه الأمثلة ما شئنا في سائر العلوم.

أية مفارقة هذه بين موقفنا وموقف الغابرين: إذ نتأبى نحن على التعريب حيثما يكاد يستوجب، بينما ترخصوا هم فيه حيث لهم معدومة عنه. ولماذا لا نعرب غير هيا بين حيثما يستعصي علينا، أو ريثما ينقاد لنا، الاشتقاق؟ وأية غضاضة في أن نعرب الفزيولوجيا وما جرى مجراها بأسمائها كاملة أو محورة أو موجزة، كأن نقول (فزلغة) للفيزيولوجي، و (بثلغة) للباثولوجي، كما قلنا فلسفة وجغرافيا وغيرهما؟ أليست هذه التسمية أحبس في الدلالة على المعنى المراد من أية تسمية أخرى يمكن أن نهتدي إليها اشتقاقا؟

ولقد أقر المجمع الموقر لكل نوع من أنواع الآلات صيغة من صيغها الثلاث، تقصر عليه ليتميز بها من النوعين الآخرين، فلم لا نقتاس بذلك في صيغ الأمراض: وهي فعال وفعيل وفعل نل لم لا نضيف إليها بالاستعارة غيرها من الصيغ كفعلان، فنقابل بكل من هذه الصيغ ما يناسبها من صيغ الأمراض في الأجنبية مثل وو ووسائر ما جرى مجراها؟ ولم لا نتوخى طريقة منظمة في صوغ المصطلحات، بأن نبدأ أولا بترجمة أدوات التصدير والإلحاق منتقلين إلى ترجمة طائفة فطائفة من المصطلحات التي تشترك في أصل الاشتقاق وتختلف في المضافات، عامدين بعد ذلك إلى النحت فيما لا يترجم إلا بوسيلة من النصطلحات الأجنبية المنحوتة؟ كأن تترجم مثلا كاسعة التي تنتهي بها أسماء أكثر العلوم في الغات الأجنبية باستعارة الأصل العربي لكلمة لغة، وهو لغو أو لغى. أو باستعارة لغة نفسها متذرعين لذلك بأن اللغة قوام العلم، إذ مامن علم إلا بلغة.

ثم نترجم أداة التذييل الدالة على مشتغل بعلم أو ما في حكمه في مثل وبحرفي الياء والتاء المنتهية بهما كلمتا عفريت ونفريت، مبالغة من عفر ونفر، فنقول مثلا (نباتيت) و (حيوانيت) بدلا من عالم بعلم النبات أو عالم بعلم الحيوان، الذي لا نستطيع بداهة أن نسميه (حيوانيا) وإن لنا إن شئنا أن ننسج على هذا المنوال عند الاقتضاء لمجالا فسيحا.

أيها السادة: لنضع نصب أعيننا في اضطلاعنا بما نحمل من أمانة اللغة أقوالا ثلاثة حكيمة: أولها قول الجاحظ: ما على الناس من شيء اضر من قولهم: ما ترك الأول للآخر شيئاً. وثانيها قول عثمان المازني: إذا قال العالم قولا متقدما فللمتعلم الاقتداء به، والانتصار له، والاحتجاج بخلافه إذا وجد إلى ذلك سبيلا، وثالثها ما جاء في كتاب نقد النثر: كل من استخرج علما أو استنبط شيئا وأراد أن يضع له اسما من عنده، ويواطئ عليه من يخرجه إليه، فله أن يفعل ذلك.

وبالله مهتدانا إلى قصد السبيل.

للأستاذ الدكتور أحمد عمار بك
عضو مجمع فؤاد الأول للغة العربية

14 - 01 - 1952

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى