حوار : الشاعر محمد آدم: أعمالي الكاملة صدرت في غفلة من التيار الإسلامي.. أجرت الحوار: ولاء عبدالله

"الشاعر محمد آدم" أحد الشعراء المؤثرين في المشهد الشعري المصري، فهو أحد شعراء جيل السبعينيات البارزين، صدر له قبل شهور أعماله الكاملة في القاهرة عن هيئة قصور الثقافة، بدون أي انتقادات من جانب التيار الإسلامي، برغم أن بينها ديوانيين سبق أن سحبا من الأسواق بعد اعتراضات لتيارات إسلامية.

وكالة أنباء الشعر التقت الشاعر الكبير محمد آدم، أحد رواد الحداثة من جيل السبعينيات، حول صدور أعماله الكاملة، ورؤيته للواقع الثقافي المصري في ظل صعود تيار الإسلام السياسي وكان هذا الحوار:-

- قبل شهور صدرت أعمالك الكاملة أخيرا في مصر.. ما الذي يمثله لك ذلك، خاصة وأنها تصدر عن "قصور الثقافة" وهي مؤسسة حكومية ..؟

أعتقد أنه تتويج لمسيرتي الشعرية ولعملي، وخاصة بعد أن صودرت أعمال لي من قبل ولم يتحرك لا المثقفون، ولا رجال السياسة ولا رجال الأدب، ولا النقد وتركوني في الساحة وحيدا وكنت أدافع عن كتاباتي بيدي وأظافري، لكن بعد أن تم إزاحة النظام الفاسد بدا أن مصر تشرق بوجه آخر مغاير يختلف فيه كل شي عن ذي قبل وأرجو أن يستمر هذا وكان أن صدرت أعمالي في مصر خاصة بعد أن احتفى بي العالم أجمع، فلك أن تعلمي أن كل ما كتبت في مكتبه الكونجرس الأمريكية، والمكتبة الوطنية بباريس، وحتى "إسرائيل" فيها أعمالي الشعرية.. وهو ما كان يحزنني كثيرا فكيف يحتفي العالم بي وبأعمالي في حين أن مصر التي أعطيتها عمري لا تحتفي بي، إلى أن صدرت في بيروت 2007، و أعادت نشر أعمالي الكاملة في 2010، واحتفوا بي في دمشق، واحتفى بي العالم.

- أعمالك التي منعت لم تكن مصادرتها نتاج حكم قضائي، لكن منعها جاء لمنع تصادم بين وزارة الثقافة والأزهر مرة، وبينها وبين أحد أعضاء جماعة الإخوان بمجلس 2005 مرة أخرى.. فكيف صدرت الآن بدون أي نقد أو رفض من قبل تيارات الإسلام السياسي..؟

كان كل شيء يتم في الخفاء، وكأننا كنا نعيش في دولة سرية وكان من الأجدر والأليق حينما تتم مصادرة عمل أو ديوان أن تقوم لجنة بتقييم العمل، ويوضح ذلك للكاتب ليعرف الناس وينحازوا إما معه أوضده، لكن أن تتم في السر وفي الليل ودون حتى الاهتمام بالكاتب ودون حتى محاكمته فهذه منتهى القسوة ولم تحدث في مصر في السابق، فحتى كتاب طه حسين "في الشعر الجاهلي" عندما صادروه قدم للمحاكمة، فهذه كانت مصر العظيمة الراسخة التي كانت تؤسس لقيم العدالة والقانون، لكن أعمالي صودرت في صمت وكأنهم أرادوا اغتيالي .

أما عن نشرها كاملة بدون أي تعليق من التيار الإسلامي فأعتقد أنها صدرت في غفلة عن هذا التيار، ولو كانوا انتبهوا لما كان صدر لي شيء حتى الآن في مصر، وذلك لالشيء إلا لتصوراتهم الجاهلة عن كيفية تناول النص القرآني وكيفية التعامل مع النصوص الدينية، فالنص القرآني هو في النهاية نص إنساني، جاء للإنسان بشكل أو آخر ليعيد صلاحه، أو إصلاحه، وأنا استعملت النص القرآني في هذا السياق، فكيف يمكن الاتكاء على النص القرآني ودمجه في نص شعري، هؤلاء تصوروا أنني أفتئت على القرآن وأتحامل عليه، في حين أن النص القرآني جاء ليكون في نهاية الأمر معنى يقود الإنسان من الظلام والجهل والتخلف إلى الحرية والحب والإنسانية.

- لكن هناك أيضا إشكالية أخرى في شعرك وهي اقترابك من ضلع آخر من الثالوث المحرم ألا وهي "الجسد" وهي أيضا من أهم إشكاليات لدى البعض في شعرك..؟

صحيح قد أكون أنا الوحيد في الشعرية العربية وفي الثقافة العربية الذي تعامل مع الجسد بهذه الكثافة وبهذا الكم من الوضوح والعمق لأن الجسد العربي والجسد الإنساني مغيب طوال هذا الوقت، باعتباره عيبا وشيئا ثانويا، برغم أنه هو الحامل الحقيقي للروح، ولا يمكن أن يسير الإنسان على روح فقط، فبهما معا يعيش الإنسان، والشاعر أيضا، فبهذا الاندماج يكون الإنسان كاملا متوازنا لصالح الحياة، أما تصفيه أحدهما لصالح الآخر فتلك معادلة مغلوطة، فالثقافة العربية هي الوحيدة التي تجاهلت الجسد الإنساني ولم تلتفت إليه إلا كشيء محرم معيب، لكني ارى أن الجسد والتعرف عليه هو الطريق للتعرف الحقيقي على الروح.

- لكن التعامل العربي مع قضية الجسد ليس نابعا عن ثقافة فحسب، بل ثقافة مقيدة بوازع ديني في غالب الأحيان.

علينا ان نعترف ان النص القرآني قابل للتأويل لاتمتلك فئة بعينها إصدار أحكامها على هذا النص القرآني ومن ثم فالوازع الديني هو فقهي فرضه فقهاء القرون الماضية على الثقافة العربية، التي كبلت العقل العربي لصالح نظرة فقهية كانت صالحة لوقتها الذي خرجت فيه.. وسأضرب مثالا بالشافعي فهو حينما أتى إلى مصر اكتشف أن هناك مجتمعا مغايرا ومختلفا تماما عن المجتمع الصحراوي الذي جاء منه وبالتالي أعاد صياغة الفقة الإسلامي بما يتناسب مع طبيعة الشعب المصري، وبيئته وحالتها المدنية، وهو ما يؤكد على أن النص قابل للتأويل والتفسير، وأن ما يصلح لعصر ليس بالضرورة يصلح لآخر.

وبناء على ذلك فأن نقول باستلاب النص القرآني وتثبيته تفسيريا ومعرفيا في لحظة زمنية واحدة خاضعة لإطار واحد من الرؤية هو "قتل للنص القرآني" وتدمير له، فالنص القرآني أفق مفتوح، وبناء عليه فعندما تعاملت مع الجسد كان تعاملي معه ككائن إنساني حي، لإعادة صياغة الثقافة العربية التي تخلفت عن العالم كثيرا.

- الآن ومع كون جماعة الإخوان المسلمين هي الحاكم الفعلي للبلاد برأيك هل ستتغير المعادلة الثقافية أو سيتغير رافد الشعر لدى محمد آدم..؟

لا، أنا كما أنا فأنا أكتبه عن وعي وعن رؤية وفلسفة ومن ثم فلا يمكن لتيار أو صرخات في الهواء أن تؤثر على رؤيتي وعلى كتابتي، وسوف أنحاز إلى مصر، إلى لغتي ومعرفتي، وفلسفتي في كتابة جماليات النص الحديثة التي أؤسس فيها للشعرية العربية لنص يختلف عما أنجز في العالم كله من خلال مفهومي لثقافتي وفلسفتي وتراثي.

أما كون هذا التيار هو الأعلى صوتا الآن فهذه مرحلة عابرة ولن نسمح لتيار "إسلامي" أن يستولى على دولة "مدنية" أسست لحضارة العالم ولثقافة العالم، ولك أن تعرفي أنه لولا مصر لما كان لليهودية وجود في العالم، ولولا مصر لما كان للمسيحية وجود، ولولا مصر لما كان للإسلام وجود.. أي أن مصر المعتدلة العظيمة تقبل الاختلاف وتقبل التنوع وتقبل الثقافات المتعددة، فمصر العظيمة هذه هي التي ستظل الأعمق وهي التي ستكون قادرة على قيادة هذه الأمة مرة أخرى من الجهل والظلام والعصبية إلى أفق النور.

- هل اخترت في الانتخابات الأخيرة الرئيس مرسي..؟

لا؛ فأنا ضد الإخوان على طول الخط، لأنه لا يصلح أن يكون للإخوان المسلمين دولة ونحن في القرن الحادي والعشرين، فلا يمكنهم أن يقودوا دولة، فلديهم تصورات نستطيع القول بأنها قادمة مما قبل العصر الجاهلي، فهم يجرون اللحظة الراهنة بكل ثقافتها وبكل معرفتها إلى لحظة القرون الأولى، تغلق فيها كافة أبواب العقل والتفكير ليعود فيها الانسان العربي والمسلم بالتحديد إلى ألعوبة وأضحوكة في العالم، ويقال عنا في الغرب هذا هو الإسلام المتخلف، هؤلاء هم المسلمون المتخلفون، لنتحول في نهاية الأمر إلى جماعة من الهنود الحمر، ونكون هدفا للاجتثاث من فوق هذه الأرض، وبهذا الشكل نكون قد ضعنا وأضعنا الإسلام معنا.

- إذا كنت ترى الاخوان بهذا الشكل فكيف ترى التيار السلفي ودوره..؟

هؤلاء أشد ظلامية وجهلا وهم كارثة على مصر، فالرسول لم يكن سلفيا ولا اخوانيا لكن كان أمة وسطا جاء للناس كافة، ولم يكن لفئة بعينها، لكن تقسيم المجتمع وتقسيم حتى التيار الإسلامي إلى سلفيين وإخوان مسلمين، قاعدة جهاديين، فهذه تفسيرات سيد قطب التي جرت المنطقة وستجعلنا كما قلت هدفا للاجتثاث من العالم، وهؤلاء يتناسون الاسلام المعتدل الذي اسس له ابن رشد، ابن سينا، الفارابي، الثقافة العربية التي توهجت في القرن الربع الهجري وانفتحت على كافة الثقافات، واستطاعت أن تقود العالم، لكن أن ننغمس في الرمال، فمن يقول ان السلفيه على صواب، وإذا كانوا على صواب فهل الاخوان على خطأ؟ هذه كلها تفريعات سقود المنطقة للهلاك إذا لم تستجمع مصر قوتها وتعود إلى دور الوسطية المعتدلة وتقود قافلة التنوير لهذه المنطقة التي سقطت في الوحل والدم.

- برأيك في ظل هذه الأوضاع الجارية هل سيصمد مرسي حتى نهاية مدته؟؟

هذه هي نهايات ما يمكن أن نسميه (الفترة المرسية) فمرسي والتيار الاسلامي استعجلوا كثيرا على أن يقبضوا على مفاصل الدولة ويضعوا أيديهم عليها، وبناء عليه دمروا القانون في سبيل السيطرة على كل مفاصل الدولة، وهذا رجل يجب أن يحاكم لافتئاته واجترائه على القانون، فهو جاء بالقانون والإعلان الدستوري، وبحكم المحكمة الدستورية وهي التي نصبته فكيف بعد كل ذلك ينقلب على هؤلاء ويتهمهم بالفساد.. حتى لو كانوا كذلك عليه التعامل معهم بالقانون لكن أن ينصب نفسه ديكتاتورا فهو بذلك يقود البلاد إلى كارثة وإلى حرب أهلية وستكون النهاية لما يسمى بالتيار الإسلامي إلى الأبد على يديه.



* بإذن من الشاعر محمد آدم

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى