محمد زعل السلوم - من يشعل الكبريت لأطفال درعا..

أشعل أطفال درعا قبل سبعة أعوام كبريت الثورة السورية وكل عام يمر،ويتساقط المزيد من أطفال وطنهم الأبرياء في بحثهم عن دفء الحرية والوطن الكريم والمضي قدما نحو سبل الكرامة والأمن والاستقرار والديمقراطية، والتعليم الآمن، والمدرسة الآمنة الحافزة، والمستقبل المشرق الذي أطفأته القوى الظلامية الحاكمة في سوريا منذ عقود.

كل عام يمضي ويتساقط عود كبريت آخر ومع ذلك يستمر الحلم السعيد بمائدة وطن جميل وشجرة ميلاد شعب جديد وموقد يجعل الجميع سعداء في هذا الشتاء القارص الذي سقط فيه أكثر من ثلاثين ألف طفل ببراميل النظام وقذائفه وصواريخه وحصاراته وتجويعه وأسلحته الكيماوية والارتجاجية والفوسفورية والحارقة والنابالم، الذي صب كل الحقد الطائفي والديني والمذهبي المريض على تلك الأجساد اليانعة البريئة في حمم لا تبقي ولا تذر من حجر ولا شجر، عدا طائرات القتل من كل حدب وصوب، وضحايا الغرق في البحار زاحفين وسابحين نحو نور شمس الحقوق البشرية البسيطة. كل ذلك أدى إلى تدمير أطفالنا وتحطيم أبسط آمالهم، بل ودفن أحلامهم ومدارسهم ليواجهوا كابوس التشريد والتهجير والتنكيل والحرمان.

كانت أحلام أطفال درعا بسيطة ومتوهجة وبهيجة، وتعبر عن روح كل طفل بالغ في سورية، كانت رغبة عارمة وتوق، بعد تكلس العقل السوري وتجميده طوال عقود مما أدى إلى تراجعه وتآكله وبعده عن الركب الحضاري والانساني، وحصره في مزرعة مافيوية قاتلة يملكها متعهدي شقق ومجرمي حروب، وقتلة من نوع الأخطبوط يتمددون، ويمتدون في سمسرتهم وقنواتهم المعلنة والغير معلنة، قوى وعائلة بشعة لم تكن في يوم من الأيام شرعية وإنما لا شرعية، مثلها مثل معظم الأنظمة القادمة من نفق العالم الثالث المتخلف البعيد عن الحضارة ودول القانون والمؤسسات الديمقراطية العريقة والتطور الحضري الفاعل والمجتمعات الذكية.

فطرة الطفل السوري ورغبته بالعدالة والحرية والمساواة الطبيعية لدى كل كائن بشري على وجه البسيطة، تلك الفطرة التي أرعبت أعتى الأنظمة وأشدها هشاشة في التعامل العقلي البسيط . هذا النظام المجرد من القيم، والقائم على عقلية العنف الغير قابل للتحول، وكأنه كرة مصمتة من التحجر والتعفن الغليظ المنفر.

أطفال سوريا هم أكبر ضحايا الحرب القائمة في بلدهم بل وفي العالم، ومع الأزمة الأخيرة في درعا وحركة النزوح االكبيرة التي وصلت لحدود الأردن والجولان المحتل، والتي وصل عدد النازحين المحتمين بالعراء فيها لحوالي ال350 ألف نازح جلهم من الأطفال والشيوخ والنساء نتيجة القصف الوحشي الروسي على قراهم، وقد سقط أكثر من 200 شهيد منذ بدء العمليات االتي يشنها النظام السوري، والميليشيات الشيعية التابعة لنظام االشعوذة الطائفية في طهران، والطيران الحربي الروسي منذ 19 يونيو حزيران الماضي، وقد سقط أكثر من 30 طفلا ضحايا هذا القصف الهمجي، وحسب الأمم المتحدة فإنها وثقت آلاف الضحايا من الأطفال، وهناك ما يزيد عن 8 ملايين طفل سوري بحاجة لمساعدة منهم ستة ملايين لاجئ ومشرد وأكثر من مليونين ونصف المليون خارج مقاعد الدراسة. هذه الكارثة الممتدة منذ عام 2011 لم تتوقف، ومنذ أطفال درعا أول ضحايا النظام ومشعلوا الثورة السورية، والذاكرة السورية والإنسانية لا تنسى حمزة الخطيب مرورا بعيلان وعمران وكريم وبانا العابد، الذين باتوا رموزا لمآسي الطفل السوري ونكباته وروح تحديه للموت والحياة، فضلا عن تدمير مدرسة من كل ثلاثة مدارس لأطفالنا.

السؤال هنا هو هل سيجد هذا الطفل السوري جدته التي كانت تحبه وتدلله وتساعده على علاج جروحه بطبها العربي العتيق كما وجدتها بائعة الكبريت؟. وهل سينطلق معها نحو سابع سماء حيث الجنة الموعودة والراحة الأبدية بعيدا عن شرور هذا العالم المقيت والبغيض؟. وهل سيأتي اليوم الذي تنتهي فيه أعواد كبريته ونومه الوردي في أحضان جدته بعيدا عن البؤس حيث الاطمئنان وتلك الأحلام التي تجعله مبتسما طوال نهاره دون أن يفتح عينيه إلا على الخضرة، والدار الوسيعة، والوجوه الحسنة المبتسمة الضاحكة له ؟

كانت مظاهرات أطفال المدارس في سورية، ترعب المحتل الفرنسي وتؤدي للإضرابات والعصيان في تحدي المستعمر الغاصب، وكانت مظاهراتهم تسبب انقلابات ما بعد الاستقلال، وتقود عجلة التحول.

كان أطفال سوريا البوصلة الفطرية للحقوق والقادة للحياة والتغيير ولازالوا أملها الموعود.

كانوا جنرالات الحب والعاطفة الجياشة, والتطهر والرقي الطبيعي الذي افتقده الكثير من الكبار.

ولد الناس أحرارا وعاشوا وسيعيشون وكذلك ولد أطفال سوريا، ومن يعتقد بغير ذلك فهو نيرون آخر مثل بشار الأسد وفرعون وطاغوت نمرود على معاني التحرر العظيمة لدى البشر.

مشاعرأطفال سوريا وحساسيتهم تعني الخير الكثير والتي تكفي العالم نورا وضياء.

والجواب على سؤالي الأول من يشعل الكبريت لأطفال سوريا ؟ هم ذاتهم أطفال سوريا الذين سيكبرون ويعيدون لسوريا عراقتها، ويجددون هوا غوطتها الدمشقية النقية بعد أن لوثها السفاح، ويزرعوا أشجارها، ويصبوا روافد جديدة لإحياء نهر بردى المتدفق عبر تاريخه علما وأدبا وثقافة واقتصاد، ويجعلوا من سيف معاوية المعانق للسماء في ساحة الأمويين شعلة فتح حضاري لا يستكين، ويعيدوا لقلعة حلب شموخها، وقلعة الحصن عنفوانها، وللفرات عطاءه.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى