أمل الكردفاني - أنوات.. قصة قصيرة

بعد ثلاثين عاما من الزواج.. نظر لزوجته واخذ يتأملها.. وجهها اصبح شبيها بوجهه.. مترهلا ومليئا بالتجاعيد.. رموشها سقطت واهملت حف شاربها ... وجسدها تحول لكتلة دهون..حركتها صارت بطيئة... صارت لحما متخثرا...
قالت له: لماذا تنظر لي هكذا؟
من الصعب ان نشرح ما يدور في خلدنا حين نتأمل شخصا ما ، ومن الصعب أن نجيبه على مثل هذا السؤال الصعب. ان الاجابة جارحة جدا ، لأنها تعني ان عجلات قطار الزمن قد مرت فوقك... وانك تقترب من آخر محطة فيه. ولا أحد يجد ذلك شيئا مريحا.
اكتفى بالصمت ؛ عيناها نائمتان ، غير مكترثتان بالاجابة ، قالت دون ان تبدو على ملامحها اي تغييرات: لا تحدق في هكذا.
ابعد نظره عنها. انه يحبها ... لكنه يحبها على اي نحو كانت عليه. فلا يهم شكلها لأنها صارت اخا له .. انه حب الأخ لأخيه. انه الود الخالص من الغرض. لم يستطع ان يطرد عن خياله صورة التحاماته السابقة بذات هذا اللحم. هذا اللحم الذي كان مشدودا كوتر القوس. اسنانها التي كانت بيضاء يوما ما وشفتاها التي صارت تحفها الآن شقوق صغيرة وكأنها بقايا غرز خيط شبحي.
نظر الى البعيد ... ونظرت هي كذلك الى البعيد... لكنهما كان قريبين جدا ... اقتربت منه وسألته: هل أعد لك طعام الغداء؟
نظر اليها وتأمل وجهها ... مد ذراعيه فارتمت فيه.. صار يبكي بعنف .. أخذت تطبطب على رأسه وتمسح شعره ، وبذات ملامحها الميتة همست: لا تخف يا شقيقي..لا تخف... لن نموت... صدقني ليس الآن على الأقل.
  • Like
التفاعلات: نقوس المهدي

تعليقات

وقع الزمن على ذات الإنسان يخففه الالتزام بالصداقة ..
قصة جميلة، تحتفي بمبدأ القيم الذي يعرف اليوم الكثير من مظاهر العنف المرتبطة في عمقها بفعل الإنسان ذاته .
 
أعلى