رسائل الادباء : رسالة من ميخائيل نعيمة إلى صاحب الأعماق (عبد الرحمن الخميسي)

12 - 11 - 1951

إلى صاحب الأعماق:

سلام عليك، وبعد فقد كان أول عهدي بك يوم أطلعني أحدهم على الكلمة السخية التي توجت بها فصلا نقلته إلى المصري من كتابي (جبران خليل جبران)، وتكرر من بعدها وقوع اسمك في مسمعي من غير أن أعثر على شيء من نتاج قلمك، إلى أن جمعتني الظروف في أواخر هذا الصيف بصديقنا محيي الدين رضا وإذا به يسلمني النسخة التي تلطفت بإهدائها إلى من كتابك الأعماق، وإذا بي، وقد طالعت (أعماقك) أخرج منها بأكثر من درة، وأنفسها أنت

قيل من زمان - والقول حق - إن الكتاب ينم عن كاتبه، وقد تبينتك من فصول كتابك أديبا بالطبع لا بالتطبع، فرشاقة في العبارة، وصفاء في اللغة، وبراعة في وصف الظواهر، ودقة في تحليل البواطن، ونزعة قوية إلى الابتكار في الأسلوب والموضوع، وذوق لطيف في مزاوجة الأفكار، وتلوين الرسوم، وعرض المشاهد، وتوزيع النبرات، والسكنات والظلال والأنوار دون ما إسراف في المادة أو تبذل في المرمى

والذي استهواني في قصصك بنوع أخص هو روحك الإنساني المهيمن عليها، وحماستك للغاية التي من أجلها تكتب، وإيمانك بقدرة القلم على تقومي ما اعوج من مسالك الناس، ثم لباقتك في عرض ما بلى ورث من عاداتهم ومعتقداتهم عرضا لا يشتم منه القارئ لجاجة (المصلح) ولا ادعائه بأنه أشرف طينة من الذين يريد إصلاحهم فأنت تكتب لبيئتك لا تتنكر لها ولا تجلدها بالسياط، بل تماشيها كواحد منها؛ ولكنك إذ تماشيها تحاول الانحراف بها عن طرقها القديمة إلى طرق جديدة من غير أن تثير شكها وعنادها. أنت تكتب للناس حبا لهم لا سخطا عليهم، ولا شماتة بضعفهم

من كانت تلك عدته للكتابة كان لنفسه خير محاسب وموجه، وكان في غنى عن نقد الناقدين؛ وتوجيه الموجهين؛ ثم كان في مأمن من الآفة الكبرى التي تفتك بالكتابة في الكتاب الناشئين وهي الغرور. . . فسر يا أخي في طريقك، وليكن الحق هادياً لقلمك

ميخائيل نعيمة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى