محمد آدم - ثلاثية يوسف

(1)
عندما وضعوا يوسف فى السجن
حارت امرأة العزيز
ماذا تفعل بجسدها الليلكى
وبكل تلك المؤخرة اللينةِ المرحةِ
وبصدرها النفاذ الأشقرِ
مثل سفينةٍ شراعيةٍ تحت هبوب الرياحِ
وماذا ستفعل بأنبوب الشهوةِ
الحارقةِ
وصرخات الروحِ الصّخّابة
وماذا ستفعل بتمثال المحبة الرازح
تحت عتبة الغرفةِ
الذى أخذ يعلو ويعلو
حتى تفوق على البنايات
والعربات المطهمة
وتلال الحُلى والزينة
وقالت لنفسها
ماذا سأفعل أنا بكل تلك الأناشيد الفرعونية
وأهرمات خوفو
وتراتيل إخناتونْ
ومزامير نفرتارى
وفى كل يوم
كانت تذهب بمفردها إلى السجن
لتقف أمام حارس البوابة العتيق
وتخلع ملابسها المزينة بالذهب
والفضة
لكى تقف أمام يوسف
كتمثالٍ من الذهب الخالص
واليواقيت
أو على شكل مشكاةٍ فى زجاجةٍ
إذ ذاك
أخذ يوسف العزيز يصرخ إلى الجدران
والنوافذِ
لا أريد أن آكل
ولاأريد أن أشرب
أريد أن أموت
على عتبات هذه المرأةِ
هذه المرأه إلهى
هى حقل حنطتى
وأشجار ظلى
هذه المرأة هى حروف كلماتى
ولغتى
ديانتى المستترة وطقوس صلواتى
إنها المرأة الوحيدة التى أرى
فيها الله جهرةً
لا تحرمونى من هذا الجسد أيها الناس
على سلم جسدها أنا
صعدت إلى ما هو أبعد من السماءِ
وأعمق من أعماق الأرض
نظرة عينيها تخترقانِ قلبى
أصابعها تشعل جدران روحى
وتشعل الحرائق فى كل جسمىْ
بين عينيها تسكن التواريخ
ومن خلال جسدها تقوم الحضاراتِ
وتنبنى الديانات
هى اللغة والقواميس
إنها المعنى الذى أبحث عنه
فى هذا العالمِ
أنا لم أعد أريد أى شىء من هذا العالم
سوى هذه المرأة بالذات
رائحة أنفها أعجوبةٌ
وبطنها سهولٌ بصحراواتٍ وأنهارٍ
ومنها يتدفق العسل
وأباريق الخمر
هذه المرأة أهرامات من ماس
وبوّابات من يواقيت مدفون
أقعدونى على فخذها إلى أن أموت
ولا توقظونى حتى تقوم من نومها
أو يعلن الزمن
عن نهاية الساعات !!
Mohamed
Mohamed Adam
(2)
عندما وضعوا يوسف فى الجُبِّ
أخذ أخوة يوسف يتنططون فى الحقلِ
وراحوا يمسكون بالدفِّ
ويعزفون بالمزامير
وهم يرتلون صلواتهم وأدعيتهم الخارقة إلى الربّ
ربّ إبراهيم
وإسحاق
ويعقوب
وبعد ان أنجاهم من الذئب فى الفلاةِ
واسترحوا – الآن – من الداهية الأكبرِ
يوسف
الذى فضله أبواه عنهم جميعاً
لالشىء
إلا لأن أمه كانت تعرف
كيف ترقص بجسدها الأرجوانى
على أنامل يعقوب
واستطاعت – كذلك – بشهوانيتها المرعبةِ القدرةِ
أن تسلب يعقوب اللبّ
فأصبح لا يرى العالم إلا من خلالِ جسد هذه المرأةِ
ولا يرى الله ناصعاً
إلا من بين فخذيها المعشوشبتين
ومؤخرتها التى تكتظ بالهلاوسِ
واللوغاريتمات
عندما وضعوا يوسف فى الجبّ
راح أخوة يوسف يخططون
كيف يشعلون النار وبضراوةٍ
فى كل هذا كل العالم
وفى القدس بالذاتِ
وسوف ينتظرون كذلك ماذا سوف يفعل الربّ
فى سيمفونية الخراء هذه
-كل أنهار مصر تحت قدميك
ماصنعها الربّ إلا من أجلك أنت
أنت واهب الفرح
والمحبة
أنت الذى يصعد القمر كل ليلةٍ
إلى نافذة قصرك
ليطل عليك
ويستمد نورة من بهاء وجهك
وانعكاس شمسك
شكل عينيك طيبتانِ
مثل طيبة
أو مدينة الربّ منف
كم ألف سنة انتظرناك أنت
أيها اليوسفى فى الحسن
قبلك ظلمنا الملوك
وسخرَّنا الجبابرة
وجعلونا ننحت الصخر
بأسناننا
لمَ كل هذ ؟! هكذا قالت امرأة العزيز
(3)
عندما وضعوا يوسف على عرش مصر
جاءت امرأه العزيز
وجاءت جوقة المغنيين
والمغنيات
جاء رجال الدرك الأحمر
وكل رجال اللاهوت
من عبده آمون
وإخناتون
وهم يغنون بأصواتهم المخنثةِ
وخشخشات جلابياتهمْ
المزخرفةِ بالذهب
والفضةِ
أنت سيدنا
أميرنا
قمح مصر فى خزائنك
كل ذهب المصربين أصابعك
هاهم الفقراء
يقفون الآن صفوفاً
صفوفاً
فى انتظار أن تعطف عليهم
وأمام بوابات قصرك
نساؤنا يتضورنّ جوعاً فى الشوارع
ويمارسن الرزيلة تحت سقف كل بيت
من أجل لقمة العيش
أو رغيف خبز واحدٍ
أنت مشرّع الدياناتِ الأكبر
وصانع القوانين
أنت الذى سترد العدالة المسلوبة
إلى شوارعها
طالما كنت على عرش مصر
سوف نأمن على أولادنا فى الحقول
وعلى غنماتنا تحت أشجار
النخلِ
والكافورِ
مرة أخرى أيها اليوسفى
سوف نعود إلى الغناء بالدفّ
والرقص بالمزامير
بعد أن نسينا الفرحُ والسرورُ
قبلك
كنا نتمنى الموت ولو تحت سفح جبلٍ
أو تحت محراث حقلْ
قبلك ظلمنا الملوكْ
وأهلكنا الطغاة
فى برّ مصر لم نعد نعرف سوى أكل
الترابِ والخنافس
وأوراق الشجرْ
والسمك الميت
بيوتنا خربةٌ
وخاويةْ
أهلكنا الجوع
ودمرّنا اليأس فى السكك
إذ ذاك جاءت امرأة العزيز
وجلست تحت ساقى يوسف المعشوشبتينِ
وأخذت تغنى هى الأخرى
بصوتها الرخيم
وجسدها الملفوف الأخاذِ
من أين أتيت إلينا ياحبيبى
كم ألف سنة وأنا أنتظرك أن تأتى
جسدى لم يزهر إلا تحت أصابعك
وبين فخذيك
وجدت كنزى
أنتَ
عندما ألقيت بذورك بداخلى أزهر الحقل
ونوّر الرّمان
أورقت كل أشجار مصر
وفاضَ النيل على السكك
وأغرق كافة الصحارى
حليب جسدك يتفوق حتى على عسلِ النحلِ
وشرابِ الفراعنةِ
طعم شفتيك مثل طعم شفتى الربّ
حنانتين
ومغريتين
حتى للطير العابر
فما بالك بامرأة العزيز
يايوسف !!
دعنى أرقد بين فخذيك ياحبيبى وحتى أموت
دعنى أنسى العالم بكل مافيه يايوسف
حتى أرتوى من حليبك الساخنِ
وشهد أيامك الحلوة
خذ كل شىء
خذ كل شىء
ذهب الأسرة العاشرة
وحتى الأسرة العشرين
خذ ذهب منفِ
وخزائن طيبهْ
أنا – بنفسى – سوف أجمع لك
كل ذهب نساء مصر
من أين أتيت ياحبيبى
وما هو ميعادك
مصر درة الدنيا
وسيدة العالمِ
تجلس تحت قدميك
شهية
وباكية !!
نحن الذين أخترعنا الآلهة
وحتى فكرة التوحيد قد خرجت من هنا
من أرض مصر يا يوسف
نحن الذين توضأنا بالشمس
وأسقينا القمر حتى من حليب النجوم الفضفاض
وصلوات الكهنة فى داخل المعابد
على ضفات الأنهار غنت العصافير للربّ
آمون
وإخناتون
وحتى للجميلة نفرتيتى
كانت الشمس تشرق على الأرضِ
فلا يوجد على الوادى أحد
لايسبح باسم الربّ
ولا يسجدُ إلا للإله الواحد الأحدْ
حتى الصلوات الخمس نحن الذين أخترعناها – هنا- وفى بر مصر – يا يوسف
وأخذها منا كل أبناء الأرض
كان القمر يطلع فى الليلِ
فلا نرى سوى وجه الربّ – هادئاً ولا معاً -
فوق حدائق القبة
وكل أراضى الدلتا الواسعة
ياسيد الأرضين يايوسف
قل لى
من يضارعك فى الحسن يايوسف
مصر كلها كلها لك
بكل ما فيها
من ماشيةٍ
وأغنام
من ذهبٍ وكنوزٍ
فقط
احكم بالعدل يايوسف
أقم القانون فى الظُلْمة
حتى يأخذ الطفل حقه
وتُرَدّ للشيخِ سكينته
واجعل المحبة تسير فوق الأرض مثل امرأةٍ تكشف عن ساقيها
حتى يراها الناس
ويعشقها الخلق كلهم جميعاً
إجعلها مثل كتلة الهواءِ الراسخة
ويتنفسها الجميع
ويراها الناس وهى تسير على الأرض
بقدمين فارهتينِ
قبلك ظلم الملوك كل أبناء هذا الشعب يا يوسف
وأنا
أنا امرأة العزيز
سوف أمنحك جسدى وقلبى
ياشقيق روحى
وياذهب أيامى
لا تركن إلى إمرأةٍ أخرى يايوسف
فيكرهك قلبى
أنا التى جعلتك على خزائن الأرض
ومنذ أن رأيتك
من أجلك انفتح قلبى على العالم
أصبحت أنت الآب
والإبن
والروح المقدس يايوسف
مقدس أنت أينما سرت أو رحلت
فى كل الطرق يتبعك قلبى
وعلى النواصى
أترقب وصولك
أصبحت لا أشعل مصابيحى فى الليلِ
لأنك بدّدت الظلام
عن نفسى
ولم أعد أنتظر الشمس فى الصباح أن تشرق
أو القمر بالليل
لأنك الضوء كله والنور كله يا يوسف
صوتك يسمع من بعيدٍ
فينجرح قلبى
وهنا
اعتدل يوسف فى جلستهِ
وأمسك بكنّارة يعقوبَ
وراح يعزف أناشيد السلام
والمحبة !
ويغنى لامرأة العزيز أغنياته المفضلة
عن الربّ ذاتهِ
حتى راحت الأشجار تصطف فى الشوارع وتتمايل على الطرقات
لتسمع غناء يوسف
وأخذت العصافير تعيد توزيع جغرافياتها
فيما راح الفلاحون
يجمعون الحنطة والزيت
من على ضفات الأنهار
ويكتبون تواريخ الرغبةِ
وبلا أدنى خوف
لا من آلهة منف
ولا من كهنة آمون
وسارت سفينة الرب العامرة
فى كل الجهات
وأشرق النور على كل شىءٍ
فيما راحت امرأةُ العزيز ترقص عاريةً
أمام كنّارات يعقوب
حتى سالت أنهار اللذةِ فى الشوارعِ
وأخذ فوطيفا رع كل ذكرياتهِ عن الربّ
إلى منفاهُ الإختيارى
ومازالت الصلوات تتردد حتى الآن
على جدران المعابد
وكل أحجار مصر
وحتى مواويل ال

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى