محمد آدم - سـرديتان.. شعر

سردية1

إنه النسيانُ الذى يسيطرعلى كل اتجاه
البحارُ
والرمل
الأحلامُ
والسكك
والكل ينسى
لقد كانت حياتى خربة ًوخاويه
- مثل محراث قديم لفلاح بابلى -
وتسير من ظلمة إلى ظلمة
وفى نفق مظلم
تترك موداتها العليمة وخياناتها
لقد اتفق لى أن أرى الجرذان
تسير فى السكك
وتعلو البنايات
وتقفز من النوافذ
وتتسلق شبابيك الروح
كما تتسلق القطط أكوام القمامة
وبقع الفجر الجافة
لقد سبق لى أن رأيت
الشمس تنكمش من البرد الخالص
والبرد الخالص يهرب من الدفء الخالص
الشمال
يبحث عن الجنوب فى الشرق
والشرق يبحث عن الشمال فى الغرب
والمستعمرات رمز كل شئ
المستعمرات فى راحة اليد
والمستعمرات فى البنطلون
المستعمرات فى حدقة العين
والمستعمرات فى ياقة القميص
المستعمرات فى الحذاء
والمستعمرات فى الرقبة
لا توجد أرض أخرى لأمارس عليها
حريتى وبعنف
لا توجد سماء ثامنة
لأهبط عليها بمناطيدى وطائراتى الورقية
ليس ثمة شمس غير هذه الشمس
لألقنها درسا فى الاختيار الإنسانى الحر
أو لأجلس تحت حوافها المتضرسة المتشققة
وأغنى أغنيتى التى أحبها بعمق
ودون أن يزاحمنى أحد
- حتى ولو كان الرب نفسه -
آهِ
من هذه الفقمة التى تقف فى الحلق كالشوكة
وتبول ليل نهار فى مؤخرة الرأس
ودون أن تتركنى ولو لدقيقة واحدة
آهٍ من هذا الهراء الذى يسد علىّ كافة المنافذ
وبالمناسبة ماذا صنعت له
لكى يتربص بى
طيلة كل هذه السنوات
لمَ كان كل هذا الليل
لمَ كانت كل تلك الكوابيس التى تجرى
على الأرض كالقطط
بلا أمشاط لتفلية الرأس
أو حتى أسنان للاستحمام
لمَ كانت كل هذه الجدران
والأبواب
والنوافذ
لمَ كانت أصلا كل هذه الأشجار والحدائق
طالما أن الإنسان يحمل فى يده بلطة

وفى السماء
يكمن الجحيم
دائماً ؟!
بلطة فى الأسنان
وبلطة فى الكتف
بلطة فى الوريد
وبلطة على الفم
بلطة فى القلب
وأخرى على الذاكرة
لمَ كل هذه البلط ؟!!
لقد ضقت ذرعا بكل شئ
الإنسان
والحيوان والنبات
الأرض
والسماء
والآن
ليس لدى ما أخسره تماما
لقد ماتت أمى فى حرب 67
بطلقةٍ فى الرأس
ومات أبى وهو يعمل على شاحنةٍ
فى جبال كردستان
العراق
ولم يرسلوا لنا جثته
- وحسنا فعلوا -
ماذا نصنع بكل هذه الجثث
لقد تركوها فى العراء إلى أن تعفنت
ألم أقل
ليس لدى ما أخسره فى هذه الحياة
سوى الحياة ذاتها
الحياة النافقة
والحياة الهاذية
لا تسخروا منى يا أبناء القطط والكلاب
فحتى الآن لم يقل لى أحد
ما هى الفكرة الاساسية لكل هذا العالم
ولا هو الهدف النهائى
لكل هذا الوجود ؟
ولا ما هى الافكار التى كانت تدور فى رأسهِ
وهو يصنع كل هذا الخراء
داخل مصنعه الواسع
الذى يسمى الإنسانية
هل سأظل أكتب الاشعار
حتى حمرة الشفق ؟!


سردية 2

فى الحياة التى منحنى الرب إياها
شاهدت الكثير والكثير
لم أكن أريد أن أشرب من هذه الكأس
ولكننى شربتْ
لم أكن أريد أن أنزل إلى هذه الشوارع
الجمة
الكثيفة
الملتوية
ولكننى نزلتْ
لقد كانت لى ذكريات
بعضها أسود
وبعضها الآخر أبيض
وبمرور الوقت
تحولت هذه الذكريات إلى أحلام رخوة وعجينة
بلا عجيزةٍ
أو فمْ
بلا بصيرةٍ
أو حتى ثديين
فى كل ليلة
بأناة
وصبر
أنزل إلى الشوارع الجمة الكثيفة الملتوية
لأرى
وأسمع
وأحسّ
ماذا صنع الله بكل هذه الأحلام
البعض ركلها بالأقدام
والبعض الآخر نصب لها
كمائن وحفر
البعض خلَّع لها أسنانها
والبعض الآخر ضربها على مؤخرتها
بالقباقيب
والجزم
البعض بصق فى وجهها
والبعض الآخر سخر منها
وبضراوةٍ
البعض استعمل هراوة ليهشها
من على الأفاريز
والسكك
والبعض الآخر استعمل مسدسات كاتمة للصوت
وسكاكين وبلط
لكى يقضى عليها
رغم أن هذه الاحلام
لم تكن تفعل أى شئ
سوى أن تبيض وتفقس فى الفراغ
أنا
لم أكن أريد الشرب من هذه الكأس
ولكننى شربت
من الآن فصاعدا
لن أدع أحلامى تصعد وتهبط
على الأرصفة أبداً
أو تقف على الطرقات لتتسول نظرة أجيرة من أحد
أو حتى كلمة واحدة
من كلب
لن أترك ورائى أى شئ أبدا يدل على
لتلتقطه أنوفكم القذرة
وقلوبكم التى يملأها الروث والضغينة
لن أترك سوى كتلة من العدم اللزج
المعجون بالندم
والخسارات

هذا العدم الذى أربيه كل يوم
تحت سقف بيتىْ
أقصد زنزانتى الكائنة هناك
- فى أعلى هذه البناية -
وسوف أغلق عليه بالأقفال
والمفاتيح
لئلا ينزل هو الآخر
إلى الشوارع المجاورة
فيصيبكم بالعدوى
وينتقل إلى الشجر
والحدائق
أحيانا
أشعر أن بى رغبة فى الصراخ لحد الألم
لمَ لا أصرخ فى وجه كل تلك الأرصفة المغرر بها
والشوارع المخدوعة
لمَ لا اصرخ فى مؤخرةِ كل هذه النوافذ
التى تضاء لمرة واحدة على الأقل فى اليوم والليلة
لمَ لا أصرخ فى كل هذه البيوت
والشبابيك
التى تُفتح وتُغلق
مثل مومس ٍ
تنعظ ُ
لمَ لا اصرخ فى كل أولئك الكفرة والمجدفين
الذين يحجبون عنى الضوء
إلى الجحيم لكل هذه الدولة العصرية
التى تمتلئ بالسجون والمعتقلات
واللصوص ِ
والخونة ِ
بالقوادين والمخنثين وأصحاب الرياسات النّوَرَة
أحيانا
أشعر أن بى رغبة قوية فى أن أصير حجرا
الحجر مكنون فى ذاتهِ
هل أكون مكنوناً فى ذاتى
الحجر مكتف بذاته
هل أكون مكتفيا بذاتى
الحجر
لا يسأل عن الماهية
أو العرض
ولا ماهو الجوهر
أو ما هى الميتافيزيقا
والعدم ؟
أنا أسأل عن
الجوهر
والعَرَضْ
عن الموت
والموسيقى
عن الأحلام
والقطط !!
أحيانا
أشعر أننى جزء من مؤامرة كونية
فلا أعجب إلا بفردتىْ حذاء
لا أحس
ولا أشعر بالثقل
ولا أفكر فى كل رجال الدين أولئك
الكلاب
بعيونهم الفولاذية
ولحاهم التى تشبه مؤخرات الخنازير
وروث الخيل
انظر :
إلى أرجلهم التى تخب أمام حظائر الرب
فى خيلاءٍ
وزهو

كم هو جميل أن تكون بلا رغبات
أو حتى أحاسيس
مثلا ً
أن لا يكون لك رغبة فى ممارسة الجنس
مع أى امرأة حتى ولو كانت مريم العذراءْ
مثلاً
أن لا يكون لك رغبة فى الأمل
أو الحلم
الرغبة تعنى الضغينة المسننة
أفقد الرغبة في القدرة على الفعل
واللا فعل
إذا كان الله موجودا حقا فلمَ لا يسمعنى
وأنا أبكى
أو أصرخ
وأموت كالكلبْ
أين كان نائما طيلة كل هذه السنوات
هل كان نائماً وراء أبواب كنيسته المعلقة
وماذا كان يعمل بالفعل
عندما كانت الدماء تسيل فى العالم
للرُّكب
ولا يرفُّ له جفن
أو يحرك ساكنا
عقلى لا يتوقف عن الدوران
مثل ساعة بزنبرك
وروحى حقل أشواك
وعقارب
وبلا زمن أيضا
ومن فرط التفكير فى اللا مفكر فيه
كثيرا ما انتابتنى هذه الرغبة القوية
فى البكاء
والضحك
فى نفس الوقت
أشخر شخرة قوية
بحجم السموات السبع
والأراضين السبع
ولا أجد لدى غير شيئى الصغير
الذى أخرجه للعالم وبلا مبالاة أيضا
أعطى ظهرى لأى شيء
ولكل شيء
ذات يوم قال لى أبى
ان الله موجود!!
فضحكتُ
وقلت حسنا يا أبى أن الله موجود
ماذا فعلت له أنا تلك الحشرة الضريرة
لكى يزرع تحت مخداتى كل هذه المقابر
وكل تلك الأحلام المرعبة
عن الملائكة الذين ينتظروننى هناك على بوابة الجحيمْ
بالهراوات والمدى !!
ومن يومها راح عقلى الصغير يعمل
بكل ما فيه من آلات
وتروس
هل حقا ان الله موجود ؟!!
وماذا كان يعمل خلف هذا الجبل طيلة كل هذه السنوات
هل كان يربى الخنازير
أم يعمل سائقاً للأظعان
هل كان يعمل كناسا لهذه الغيوم
أم يعمل حطابا فى كل تلك الخرائب
هل كان يعمل ميكانيكى سيارات خردة
لكى يصلح عجلة العالم المعطوبة
أم يدير بورصتة العمومية
لكى تشهر كافة البورصات
إفلاسها
ماذا يبيع فوق عربته المعطوبة هذه
هل يبيع مناديل الكلينكس
أم يتاجر بالصلبان المذهبة للأطفال
لقاء جنته الموعودة
المستحيلة
هل يعمل بائع سجائر سريِّح
أم تاجر قماش
وخردة ٍ
ألم أقل
لم أكن أريد أن أشرب من هذه الكأس
ولكننى شربتْ
سنوات
وأنا أشغل نفسى بكل هذا السؤال
لمَ كانت كل هذه السموات البعيدة
وإلى هذا الحد
ولم تكن تحت قدمى لآسير عليها
وذلك بدلا من هذه الأرض
المملوءة بالمطبات
والدم
بذراعىّ هاتين
رحت أجمع الحطب
وأشعل النار تحت قبة السماء الواسعة لعلها تسمع
أو ترى
وها أنذا أغزل الأسى والدمع
فى سلة واحدة
فى الصيف كنت أنتظر الشتاء
وفى الشتاء كنت أنتظر الصيف
على أحر من الجمر
يالها من مأساة !
ومثل قطارات متعاكسة
أسير فى الاتجاة الخطأدائما
وفى الطرق المغطاة بالعظام
والدم
وها أنذا أنتظر الموت بأسى بالغ
وأقعد على الأرصفة المعادية
لأجمع فراشات الدمع
السوداء!


محمد آدم

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى