نيروز مناد - اعترافات ثلاثينية عزباء

يُخيل لبعضِ الذين يعرفونَ أنَّي دخلتُ عامي الثلاثين من دونِ زواج أنّي أحفظ كلُّ أغاني الوحدة و سوءِ الحظ و ضياعِ النّصيب و أٍستمعُ إليها كلَّ ليلة قبلَ النّوم في حين يعتقدَ معظمهم أنَّي لا أنام أصلاً. ليست جملة: " عقبى لكِ " هي أسوأ ما أسمعه ففي الحقيقة هناكَ جملةٌ أكثر إبداعاً تقالُ فوراً حالَ معرفةِ أنَّي ثلاثينيةٌ عزباء " ليش ما تزوجتِ لهلأ؟", لم يكن لديَّ إجابةً مقنعةً لهم فقولُ أني بانتظارِ السّيد دارسي سيكون إحدى علاماتِ الإصابة بالجنونِ بالنّسبةِ لهم و قولُ أنَّي أفكرُ جدياً بكتابةِ روايةٍ مهمةٍ يحتلُ جزءً أكبر من موضوعٍ الزواج في تفكيري سيكونُ ترفاً في غير مكانه و لذلك أنا عادةً ألتزم الصّمت مع ابتسامةٍ بلهاء تُفسرُ عادةً " نعم أنا عزباء و أنا حزينةٌ جداً". لم أعتد مشاركةُ أفكاري حولَ الزّواج مع أحد و خاصةً صديقاتي المتزوجات اللواتي يفسرنَّ أي نظريةٍ لا تصل إلى الزواجِ قبل الثلاثين مجرد " فزلكة " لا معنىً لها أغطي بها فشلي في الحصول على لقب " مدام" و لكنّي في نهايةِ الأمر وجدتُ نفسي مضطرةً لإنهاء حُمى التساؤل عن سبب بلوغي الثلاثين بلا زواج. حدث ذلك منذ أيام حينَ سألتني صديقةٌ درسنا معاً خلالَ المرحلة الثَّانوية عن سببِ تأخري في الزواج, صمتُ لثوانٍ و أنا أفكر بين إجابتين فقط: الحقيقة أو الإجابة المعتادة؟ ولكني في النهاية قررتُ اختيارَ قولِ الحقيقة و تركِ أمرِ التَّفسير جانباً فأنا لستُ عانس, لم أكن ولن أكون.. : " قرأتُ في العام2005 رواية الآنَ هنا للكاتب عبد الرّحمن منيف و منذ ذلك اليوم قررتُ كتابةَ روايةً بتلكَ الأهمية, لم أكن يومها واثقةً من امتلاكي ما يلزم لذلك و لكنَّي قررتُ أن أقرأ أي كتابٍ يشعلُ في داخلي ذلك الحلم حتَّى أبلغه, و في العام 2010 قرأتُ روايةَ الجريمة و العقاب فاكتشفتُ عالماً لم أكن أعرف عنه شيئاً وهو عالم النَّفس البشرية, لماذا نفعل ما نفعله؟ كيف فعله! و كيف يؤثر كل شيءٍ حولنا فينا! و الأهم من هذا و ذاك كيف يكتبُ أي بشريٍ كتاباً بهذه الرّوعة؟, منذ تلك اللحظة_ لحظةَ الاكتشافِ العظيم_ قررتُ اكتشافَ نفسي أكثر و سألتُ نفسي : لماذا قد أتزوج؟ في تلكَ المرحلة تذكرتُ أنَّي رفضتُ الزواجَ التّقليدي دائماً لأني أردتُ الحب و لكني لم أجده أبداً فأنا في الحقيقة أردتُ شخصاً يشبه الشَّخصياتِ التي عشتُ معها طويلاً خلال اكتشافي للقراءة, و مع مرورِ الوقت أصبح الاختيارُ أصعب فهذه الشّخصيات ليست موجودةً بيننا و في الحقيقة هناكَ خدعةً في الأمر فالرّوايات لا تقدم لنا تفاصيلَ الشّخصيةِ على مدارِ اليوم فمثلاً هل أخبرتنا جين أوستن أنَّ السيد دراسي قد ينظفُ أنفه بإصبعهِ كما يفعلُ معظمُ الرّجال؟ لم تفعل و لم تكن لتضيفَ تفصيلاً كهذا على شخصيةٍ وصفتها بالوسامة و الاتزان!, هل أخبرنا دويستوفسكي أنَّ راسكولينكوف يصدرُ صوتاً مزعجاً خلال المضغ؟ إَّنها شخصياتٌ روائية ولن نجد لها سماتٌ تشبه ما نقابله في الحياة و لكن هل هذه السلوكيات تبطلُ الزّواج؟ بالنّسبةِ لي لا تفعل و لكنّها تجعلُ منه جحيماً لا يطاق, أنا لم أرفض الزواج خوفاً من العيش مع رجلٍ من تلك الطينة و لكنّي أردتُ رجلاً يجعلُ من وجودِ هذه التفاصيل أمراً محتملاً عدا عن كوني أخافُ الارتباطَ برجلٍ من أولئكَ الذين لا يريدونَ من الزواج إلا الجنس و التَّكاثر و تناولُ طعامٍ بلذةِ ما كانت تصنعُ والدته. أردتُ دائماً رجلاً يمكنُ الاعتمادّ عليه في كل شيء, رجلاً سيبقى إلى جانبي مهما حدث, وجودُ أخي الأصغر كانَ عقبةً إضافيةً في طريق الزّواجِ بسهولة فأنا أردتُ رجلاً يشبهه فهو يحب الشِّعر, الموسيقى, يكتبُ أجمل رسائلَ الغزل و يسمعني باهتمام كما أنَّه يحضر فوراً عند الحاجةِ له و لم يسبق أن خذلني يوماً". لم يبدو على صديقتي التَّأثر بما قلت و لكنَّها ابتسمت على كل حال و غيرتِ الحديث بطريقةٍ تعني" حاج تتفزلكي مشان الله عنستِ و مشي الحال". مرَّ على ذلك الاعتراف أياماً مازلت خلالها عزباء و لكنَّ شيئاً ما تغير إلى الأبد: أنا ثلاثينيةٌ عزباء و لا تحزنني الوحدة بقدر ما يحزنني تصنيفي كصاحبةِ إعاقةِ بلا رجل, أنا ثلاثينيةٌ عزباء و لكنّي بخير فعلاً و مازلتُ أومن أني أستحقُ الأفضل و لن أرضى بأقلَّ منه لأحظى بلقب " مدام" و ألتحق بقافلةِ المتذمراتِ من الزواج و السّعيدات بكونهنَّ وجدنَ زوجاً يتذمرنَ منه على كل حال.


[SIZE=6]نيروز مناد[/SIZE]

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى