عبد القادر وساط - رسالة الى احمد بوزفور

صديقي العزيز أحمد بوزفور
رحم الله صاحبَ هذين البيتين:
الله يَعْلم أنّا في تلفُّتنا = يوم الفراق إلى إخواننا صُورُ
و أنني حيثما يثني الهوى بصري = من حيثما سَلَكوا أدنو فَأَنْظُورُ
فقد "مات ملء جفونه "عنهما وترك النحاة يسهرون ويختصمون جراءهما.
وأنتَ تعرف أن ابنَ جني ذكرَ هذين البيتين في سر الصناعة ولم يذكر اسم صاحبهما وأشار إلى أن الواو في ( أنظورُ) قد تولدَتْ من إشباع ضمة الظاء في ( أنظُرُ) لحاجة الشاعر إلى القافية .
ووجدتُ في كتاب ( الإنصاف في مسائل الخلاف) للشيخ الأنباري أمثلة كثيرة عن إشباع كل من الضمة والفتحة والكسرة في الشعر العربي القديم.
فمن الأمثلة الطريفة على إشباع الضمة قول الراجز :
خود أناة كالمهاة عطْبُول = كأنّ في أنيابها القرَنْفُول
فقد أشبع القائلُ ضمة الفاء في القرنفل كي يستقيم له الرجز .
ومن الأمثلة الطريفة كذلك على إشباع الفتحة قول الراجز:
إذا العجوز غضبتْ فطَلّقِ
و لا تَرَضّاها و لا تَمَلّقِ
فقد أراد ( و لا ترضَّها) فأشبع.
وفي باب إشباع الكسرة يورد القدماء غالبا قول الفرزدق:
تَنْفي يداها الحصى في كلِّ هاجرةٍ = نفْي الدراهيم تنقاد الصياريف
أراد الدراهم و الصيارف فأشبع الكسرة فيهما.
ونعود، إذا سمحت صديقي، إلى ( أنظور) وإلى هذا الإشباع الجميل وهذه الواو الزائدة التي سميتَها واو المبالغة وإلى مبادرتك اللغوية الجميلة بأن نخصص هذا الوزن للذي يبالغ في الشيء مبالغة غير مقبولة فنقول ( يكتوب ) عن الكاتب الذي يكتب في كل المواضيع و(ينشور) عن الذي ينشر عدة كتب في السنة، و( يحكوم ) عن الحاكم المستبد الذي لا يتخلى عن الكرسي ما دام حيّاً، و( يشتوم ) عن الذي يشتم الأموات والأحياء دون استثناء، و( ينموم ) عن الذي يأكل لحوم الناس و( ينْقُود ) عن ذلك الذي يجعل النقد وسيلة لأهداف لا علاقة لها بالنقد!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى