عبد القادر رشيد الناصري - شاعر من يوغندا..

توطئة:

الشيء الذي كنت أنتظره، يوم وجهت ندائي على صفحات المجلات العربية في الجزيرة والمهاجر طالباً من إخواني الشعراء تلك الأصقاع النائية موافاتي بقسم من نتاج قرائحهم وترجمة حياتهم لعرضها على القراء الذي يجهلون كل شيء عنهم في سلسلة مقالات تكشف المستور من نزاعاتهم الحسية، وعواطفهم الجياشة، وأحاسيسهم الملتهبة، لتقدمها (الرسالة) الزاهرة، مجلة الأدب الحي، والشعر الخالد، إلى عشاق الأدب، وجمهرة المثقفين، ولكن بالرغم من مرور ستة اشهر على توجيه دعوتي تلك لم يصلني من شعراء الجزيرة إلا النزر القليل، كأنما تلك الأم الولود عقمت فلم تعد تنجي شاعراً بعد، وكأنما الأرض التي أطلعت نجوم البيان وأعلام الشعر - منذ الجاهلية حتى الآن - استحالت إلى صخور جرداء لا نبت فيها ولا زرع. فإلى جميع من وجهت إليهم ندائي بالأمس، سواء على صفحات (الرسالة أو الأديب أو صوت البحرين أو الصراحة السودانية أو الإصلاح النيويوركية أو العصبة البرازيلية) أكرر عليهم الطلب ثانية. . . وحسبي أن أقدم إليهم اليوم. . أخاً من إخوانهم في هذه الدراسة على أن أتبعها في القريب بدراسة جديدة عن (شعراء القطيف. .)

الشاعر:

هو الزميل الفاضل الأستاذ لطفي جعفر أمان. . ولد في (عدن) في منتصف عام (1928) للميلاد فيكون بذلك قد سلخ من حياته 23 سنة و6 أشهر تقريباً. تلقى دروسه الأولية في مدرسة حكومتها الابتدائية لمدة سبع سنوات. . وفي ذلك العهد الطري المشبع برائحة الطفولة كانت ميوله تتجه اتجاها بدائيا إلى الفنون والأدب؛ كما كان أخوه الأكبر ينصب انصبابا وينكب انكبابا على مطالعة الكتب مع إيثار العزلة وخلق جو شاذ من الانطواء على النفس متخذا من حكمة شاعر الأجيال (وخير جليس في الزمان كتاب) رائداً. . ودليلا. . أما أخوه الثالث فكان يجيد الرسم ويبعثر لوحاته على الجدران وفي الأدراج وبين جوانح المجلات المصورة. أما أخوهم الرابع فكان يقرض الشعر. . فخلقت هذه الأسرة التي كرست حياتها للفن جوا خاصا للأخ الصغير. . وهيأت له كل شيء لتعده إعداداً أدبياً خاصاً. . ولنستمع إليه وهو يقص علينا أحاسيسه في تلك الفترة. . .

(. . ولن أنسى انزوائي معه - يقصد أخاه الشاعر - فترات طويلة من الصمت أحدق في وجهه التائه أو أغرق معه في موجات السطور التي كانت تتلاطم على الورق وهي تشهد ميلاد شيء اسمه قصيدة. . في ذلك الجو القاتم المضيء بإيحاءات الأدب والفن أولعت بقراءة الروايات بإدمان. . ورسم الصورة بشغف. . وحفظ الشعر بسرعة عجيبة. . وأخذت أنزوي حتى عن ملاعب الصبيان الطبيعية)

ومن هذه الكلمات القصيرة التي اقتطفتها من مذكراته يتبين لنا كيف أن الأسرة نفسها دفعت بالصبي الصغير إلى الأدب بعد أن هيأت له الأجواء. . .

وفي نهاية عام 1941 أتم دراسته الابتدائية وكان من الأوائل فاختارته حكومة عدن مع زميل له لإتمام دراستهما الثانوية والعالية في السودان. وهكذا أشرف عليه عام 1942 بحياة جديدة في أرض غريبة. حيث التحمت الأشواق بالكفاح، وامتزجت الدموع بالعرق. . وترنح العمر اللدن بين التيه والرشاد. . تيه الغربة. . ورشاد العلم.

وأخذت موجة الانتقال من بيئة إلى أخرى تعكس انطباعاتها على الخاطر وتسجل آثارها في الوعي والخيال.

وفي تلك البيئة تعرف بصديق كان له الأثر الفعال في تكوينه الأدبي إذ كانت مدرسة أم درمان الثانوية تنظر إلى هذا الصديق الساخر الكئيب على أنه شاعرها الفيلسوف. . وهذا الصديق هو محمد عثمان جرتلي الذي كان ينشر قصائد في الصحف الأدبية السودانية ويقتني كل ديوان حديث.

وعلى يدي ذلك الصديق الشاعر أخذ مترجمنا الشعر وحفظه وخصوصاً دواوين وقصائد المرحوم علي محمود طه والتيجاني يوسف بشير وفؤاد بليبل، ومحمود حسن إسماعيل. . حيث كان الظلام الملتهب على خلجات أولئك الشعراء يثير في أعماقه أصداء مماثلة ويحمله معهم بعيداً عن فجاج الأرض إلى إشراقات روحية ضافية يحس فيها بأن للحياة. . معنى غير التراب.

وفي عام 1943 أخذ شاعرنا يقول الشعر. وكانت مجلة (فتاة الجزيرة) التي تصدر بعدن. . تحمل بواكيره للقراء. . ثم وسعت له الصحف السودانية صدرها فنشرت له قصائد ومقالات وأقاصيص كما نشرت له الصباح المصرية بعض ألحانه.

وفي أوائل عام 1946 التحق بقسم الآداب بكلية (غردون) الجامعية بالخرطوم بع

حصوله على شهادة (السينير كمبردج) بدرجة ممتازة في اللغة العربية.

وراح شاعرنا الشاب يدرج في محيط الكلية على نمط جديد من الحياة ولم يكن له أي صديق. . . فقد سافر محمد عثمان جرتلي إلى مصر والتحق بكلية الطب بجامعة فاروق الأول بالإسكندرية.

كان كل شيء حوله يبعث على الاكتئاب رغم ضحكات الطبيعة المتألقة على النيل. . وعلى الانزواء رغم صخب المحيط الجامعي ووحدته الاجتماعية. . وهذه الوحدة وهذا الألم النفسي وبعده عن دياره وأسرته زينت له الهروب من الحياة. . من واقعها المؤلم. . فلجأ إلى المطالعة وسماره دواوين شعراء الإمبراطورية الإنجليزية. شيلي. . وبيرون. . وكيتنس. . . ودالامير. . وأوبرت برولا. . ومعظم ما تخرجه المطابع العربية من دواوين.

فقد كان كل مساء يحمل بعض الكتب والأوراق إلى ركن قصي هادئ في (الألبيون هوتيل) بالخرطوم أو إلى (بي كباريه) أو إلى (حديقة المقرن) المشرفة على النيل والغارقة بالحسان والزهور والأقداح. حيث يستلهم الطبيعة الفاتنة أغانيه وألحانه. وهكذا مرت عليه ثلاث سنوات في كلية (غردون) وقبل أن ينال شهادة (الدبلوم) في الآداب بعشرين يوما كانت مطبعة (فتاة الجزيرة) بعدن قد فرغت من طبع ديوانه الأول (بقايا نغم) الذي صدره بهذا الإهداء.

أنت يا من يفيض من صدرك الغض جلال الصليب نوراً عليا

لك مني هذا الذي بين كفيك خفوق بحبك المفقود

نغم ضاع في مجاهل دنياك هياما، وجف إلا بقايا

فاذكريني بها. . فيا، رب ذكراك تعيد المفقود من دنيايا

من أمان، أضعت فيها شبابي ولهذا الديوان قصة، وها هو ذا الشاعر ذاته يقصها علينا.

(كان ذلك في كلى الآداب حين أحسسن لأول مرة بظمأ الروح للروح، وكانت ذات الصليب تبعث في نفسي ذلك الإحساس الجارف فأصوره لها. . ثلاث سنوات. . ناراً من الحب في روض من الشعر. .)

وقد أنزلت الدموع من أعماقه، وفجرت في آفاقه الظلمة والضياء. . وسحقت أمامه كل أمل لتهيب له أملا خليا لم يكن سوى اليأس، اليأس القاتل الذي يسحق كل شي:

يا خضما جهم الجوانب يجري ... في مدى مبهم وافق قصي

أي لغز مطلسم في دياجيك. . وسر في لغزك المطوي؟!

كلما لاح لي شراع على الأفق تهادى مثل الشعاع السني

هاج في ناظري تطفل تفسي ... فتلفت سائلا كالصبي

ما ترى ذلك الذي يقحم الغيب ويمضي إلى مداه الخفي!

وركبت العباب يدفعني منه قوى يردني لقوي

لاحقا بالشراع أستنفذ الهمة في لجة الخضم العصي

وهو ينأي. . وأن يكن حيثما كان. . كوهم في لمحة العبقري

وكان في منتصف كل ليلة ينهض بقوة من بين الكتب والدروس تجتاحه مشاعر عارمة ذات غموض. . فيرتعد وهو يحس بالربد والجوع. . لا يدري ماذا يعمل. وحشة وسكون. . فيمرق من الباب كالشبح عليه وثار من الصوف. . النيل على مقربة عشرين خطوة. . الطريق مقفر إلا من رجال الشرطة. والعسس قابعون تحت الشجر أو سائرين تحت الظلام. . صمت أمامه. . وضجيج في أغواره. . يقطع الجسر الطويل. . إلى أين؟. إلى ما وراء ذلك الجسر. هناك حيث يسند ظهره على عمود الكهرباء وأمامه ي لله. . مسكنها الغارق في الظلام والشجر.

الوقت. سحر. . الفجر قريب.

وتقطع السكون عجلات أول ترام في الفجر فيعود: -

خفقات الزهر في الأسحار للفجر القريب

وانبثاق الأمل المشرق في ليل الغريب واختلاج النور في المصباح. . عربيد اللهيب

وجراح الشفق الدامي على الأفق الكئيب

كلها معنى بقلبي. من حبيب. لحبيب

يا شموساً روعت بالأمس قلبي بمغيب

أين أنت!!

وتتوالى الليالي. . لا شيء. . كل شيء. . يمضي إلى النيل. . النيل القريب. هناك تحت الشجر ألفته وألفها لا يرضى بغيرها من الأتراب العالقات أوراقها بها فهتف:

من رآني هنا. . شريد خيالات. وهم مجنح الخطرات

أتملى السكون في ظل زهراء ... حنون مخضلة النغمات

سكبت من دمي. . تسلسل في الليل. فأصغت نوابت الربوات

وجرى النيل. . واقفاً في حنايا الليل ينساب كالشجى في اللهاة

والمصابيح قائمات على الشط. . نجوما مجنونة الومضات

وظلال النخيل أطياف أشباح. . تربصن ي الدجى جاثيات

غبت عن ضجة الحياة، وأطلقت لفكري أعنة السبحات

في دجى مطبق. . وأفق سحيق. . وفضاء محلولك الظلمات

وتصاوير أبدعتها يد الجن. . خفاف. . عربيدة الحركات

في غمار الذهول تبعث في نفسي تهاويل من جنون الحياة

ذكريات تدب في ظلمة اليأس وتنساب في دمي صاخبات

أزهق العمر في يديها نضيرا. . وتهاوى في كهفها أمنيات

من رآني أشيع الحب وحدي. . وهشيم الآمال فوق الرفات

وبعد يا قارئي الكريم أظن أن اليأس بلغ بك منتهاه حينما قرأت هذه اللوعة الدامية التي وصرها لنا شاعر الشاب. . فماذا تريد؟ سأتركك تجتر أنفاسك ببطء. . أو بعمق إن شئت. . ثم هلم معي لنخرج من هذه الكوة المعتمة بالحب واليأس والألم المرير. . وهيا بنا نغلق على الروح الأبواب وننسرب في سراديب الجسد. . حيث نسمع صراخ الدم في العروق:

ههنا في غرفة حمراء. . عابثة الظلام وفراش رقصت في عطره أحلى الليالي

ههنا أحلام مسحورين: قلب. . وجمال

حلم. . أم سكرة؟ أم نهزة دامت لنا

نحن من نحن. غريبان عن الدنيا هنا

وفي عام 1949 عاد الشاعر إلى مسقط رأسه إلى عدن بعد غياب سبع سنوات لاستقبال حياة جديدة أخرى من العمل والكفاح الوطني. فقد عين مدرسا بمدرسة الحكومة الثانوية كما اشترك محرراً في مجلة المستقبل. . ومحرراً أديباً في (فتاة الجزيرة) وكان ينشر في الأخيرة - وهي أكبر صحيفة في الجنوب قصائد ومقالات بعضها صريحة التوقيع وبعضها مستعارة الاسم تحت رمز (النسر) وقل أن يمضي أسبوع دون أن يتحف قراءه بشيء من الشعر أو النشر. . ثم أخذت مجلة (الأديب) اللبنانية تحمل آثاره للبلاد العربية. .

وفي سنة 1950 كانت الحياة الجافة في عدن قد سودت العيش في عينه فلم يعد يطيق البقاء والصبر. فأحس بشعور الثورة على الأوضاع والنظم القائمة والكهانة وعباد المال. فالتفت كالمجنون: سلسلة جبال بركانية عارية تضج بالجحيم. . وسلالة آدمية كالقبور تتحرك ببله. . ومظالم استبدادية جائرة تنتقل بقفازات من حرير. . وفن موتور مغمور يحترق في قماقم. . وصنف من الرق عجيب. . يبيحه قانون القرن العشرين. . وكل هذا الأوضاع والصور كانت مادة لديوان جديد هو (أغاني البركان). . ومن هذه الأغاني صرخته المؤلمة هذه.

تلفت فلا لمحة من جمال ... تلفت. فإن الحياة محال

فأني تلفت تلق الجبال ... جبالا تضج بنار الجحيم

وسكان مقبرة في زوال

حياة. . كحلم الصدا في سراب ... حياة. . كلفح اللظى في عذاب

حياة. . كثورة جن غضاب ... لقد أزهق الحق. . يا ويحهم

وديس على الفن فوق التراب

إذا الريح طوعى لسخرتها ... إذا النار ملكي لأضرمتها

وهذى الجبال لفجرتها ... براكين تسحق هذى القبور فأزهو بأني حطمتها

كل شيء لم يكن غير الثورة واليأس: -

فقامت تلم بقايا القوى ... على هيكل مضمحل الأهاب

وتسحب أنغامها النازفات ... وتقلع خطوتها باغتصاب

إلى أن محاها شفيف الفضاء ... وأغوت هداها الفيافي الرحاب

تساقط ثورتها في الرماد ... وتعشو بصيرتها في الضباب

وقد جمد الكون في نبضها ... وغاض الجمال بقفر يباب

وأين مضت في غيوم الظلام؟ إلى الخلد؟ لا بل سحيق التباب

مصير الذي فج في نفسها ... مغاور يأس عتي الرغاب

تسائل عن ذاتها في القبور ... فتهتف ديدانها بالجواب

ومن حولها. . . كل ما حولها ... ضجيج ضياع. . وصمت غياب

ثم مضت سنتات. . وفي سنة 1951 حدثت للشاعر حركة انتقال كبرى. . فبعد صراع نفسي واجتماعي عنيف تزوج حيث احتضن إلى حياته العاصفة إشراقة من السماء وجذوة من النفس. فانتقل من بين الأغلال الجبلية في عدن إلى مسكن أنيق في ضاحية (الشيخ عثمان) في فيحاء من الرمال حيث مسير القوافل. . الرعاة في المساء. . وحداء البدو. . فاعتزل المجتمع فترة طويلة إلا ما يعنى بها في مدرسته وبين طلابه.

وآنذاك بغضا الحياة في عدن. . بغضاها معاً. وأحسا أنهما يفقدان شيئا جسيما. . هي (الحرية). . هما يعيشان ولكن في محيط من البارود والأغلال. . فحملا أمتعتهما وحطما أطواق الجبال فجاءة إلى غابات أفريقيا. . إلى يوغنده. . حيث يدير اليوم الشاعر مدرسة إسلامية في (كلمولي) وكان ذلك في نوفمبر من عام 1951.

وهما الآن وحيدان هناك. ليس معهما من جني الدنيا سوى الحب. . غريبان يعيشان على زاد ضئيل جاف من أباديد الذكريات.

وفي مساء بارد ممطر موحش. . حينما وضعت راحتها على كتف شاعرها الغريب بحنان وأجهشت تبكي فراق الأهل فهتف من أعماقه:

نفض المساء ستار نافذتي ... فترنحت في رعده الهطل وتعلقت والستر يجذبها ... بذراع منحل القوى كهل

فنهضت أحميها وقد حضنت ... أعشى الزجاج بصدر مبتل

وأزحتها عن لوحة خفقت ... بالأفق خلف الماء والظل

والريح تخبط في مساربها ... مجنونة بسنابل الحقل

وتجهمت ديم مقرحة ... سالت مآقيها على السهل

حلك يقطعها الغمير على ... أرض كأن أديمها يغلي

حتى الطبيعة هاج سادرها ... وتقلب محزونة. . مثلى

ونبهت إذ لطفت على كتفي ... كف تمر به على مهل

لما التفت وراعني منها ... نضو الخال وشاحب الشكل

ألقت على صدري جدائلها ... ورنت بصمت الدمع كالطفل

وعلى الشفاه تدب رعشتها ... وتسير في جفنين من ذل

حتى إذا ساءلتها هتفت! ... نحن الغريبان بلا أهل

وهي كما يقول (من أعز الأبيات إلى نفسه. .)

وبعد أيها القراء فهذه لمحة سريعة لفترة من سباب أبلى وجاهد. . ثم انهار. . وحملته المظالم إلى الهروب. . . والتغرب. وليس هذا بجديد في عصر تتشعوذ فيه القوة بالنسف والتخريب. . . نسف المثل وتخريب مزايا الإنسان. .

هذا ولا أريد أن أودع الشاعر لطفي جعفر أمام دون أن أقدم

لقرائي الأعزاء قصيدته التي نظمها يوم 24111951 في

الباخرة (دتوتر ماسل) وهو في طريق هجرته من عدن إلى

ممباسا ومنها إلى يوغنده وهي بعنوان (شريد)

سوف أمضي. لكن إلى أين. . لا أدري؛ خطا في الظلام تسري جريئه

لي إشراقة من الذات. . من ذاتي أنا. . هذه القتام الوضيئه

عبرت والحياة. . إثم وذنب. . وهي منها. . ولكن ومنها بريئه

كلما أفرغت جمالا وطهرا ... طفحت بالأثام كاساً مليئه ويح نفسي ضحية تتردى ... في خناق التلال. . أية بيئه

أنا في الناس سبحة من طهور ... فجفتها أنامل من خطيئه

وحدتي. . يا غيوم ظللها الدمع وأخرى في جانبيها أواره

تحتمي بالعذاب في كل قبر نبذ الليل في الدجى أحجاره

وهي في لينها وفي عطرها النامي شباب ونفحة من طهاره

أي شيء تنهد في إثر بلهاء ... مخلوعة الخطا. . مختاره؟!

أخطايا تنهدت في دماها؟ ... فمضت تنحر الهوى كفاره

أم غرام تلقفته الأماني ... فسلته. مليحة غداره

شق بي في مجاهل الكون صوت مستفيض الصدى جهلت قراره

أنا في يمة الدجوري ريح. . ودوى. . وومضه وحراره

ولأي الدروب يزجي بي الصوت محثا. مطلسما أسراره

شقوتي أنني على شفة الحسن وفي نبضه الهوى قيثاره

يا غريباً موزعاً كأمانيه. . شريداً كالنجمة المحتاره

غم أشجانه على من الغرب ووارى عن ناظريه بحاره

فمضى والحياة زاد كفاف من نشيد يقتات منه، استعاره

تربأ النفس أن يحط بها الرق. . ويلقي لها النفاق نضاره

فلله هذه النفس الكريمة التي تحمل ما تحمل في سبيل الفن. . والفن الخالص. . وسلا عليك أيها الشباب الذي تناضل وليس وراءك إلا الثقة بالروح الخالدة والأمل بالمستقبل. وفي الأعداد القادمة نماذج جديدة من شعر السودان الحديث. . وإلى اللقاء القريب أيها القراء الناطقون بالضاد.

بغداد

عبد القادر رشيد الناصري


بتاريخ: 25 - 08 - 1952

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى