رسائل الادباء : رسالة من عبد الله الحصين إلى صاحب الرسالة أحمد حسن الزيات

18 - 02 - 1952

تحية ولا كتحية، ولكنها الحب الخالص يتغلغل في النفس والود الصادق الذي لم تستطع الأيام أن تحد من سورته أو أن يهد البعد من أركانه. حب لم يزل ولن يزال ناميا مع الأيام.

أستاذي! يكتب إليك ابن تربى في أحضان البلاد المقدسة، البلاد التي شعت في آفاقها أنوار الرسالة الإسلامية، ورددت جبالها أصداء القرآن الكريم، وشهدت رمالها الصامتة مذابح الوثنية وتحكيم الرجعية البالية ومحق الأنانية الصارخة.

يكتب إلى أستاذه ابن الكنانة وربيب قاهرة العصور وآية الزمن مصر المحبوبة.

يكتب إلى أستاذه وهو يصغي إلى قول الحق وجعجعة الباطل، يعلو في الفضاء لينتهي.

يكتب إلى أستاذه: ونداء الحق يسري في نبضات القلوب بعد أن طوى الإعصار واخترق حواجز السنين: صوت مصر وهي تحطم القيود الفولاذية بأيد فولاذية أقوى، وتصوب إلى الأحمق الغاصب نظرات المؤمن بحقه الصادق في جهاده المستميت في سبيل حريته واستقلاله.

نظرات فيها القوة المتناهية والشعور بالعظمة الحقيقية قوة الحرية والشعور بالحرية.

يكتب إلى أستاذه: معترفا بحقوق الأبوة الروحية مترجما في هذه الأسطر كلمات مقتضبة - عن خلجات النفس الإنسانية عندما يزاح عنها كابوس الظلام وتغيب في قراراتها أشعة الرحمة، ويسطع في أفقها شفق الهداية. فترى الطريق القويم والصراط المستقيم عندما تستجيب لنداء الحق. يوم يقف الحق وحده في صحراء الحياة.

وعندما يرتفع صوت الباطل محاولا عكس الأوضاع وإضاعة القواعد. تلك يا والدي - قصة مشعل النور: وأعني به الرسالة الغراء التي فتحت صدرها للحق وأنصاره فكانت منبراً رفيعا يعلوه قواد مشعل الثقافة الإسلامية مرددين هتافات الحق بين غابات الباطل وتحت سراديب الغطرسة الاستعمارية.

لقد كانت الرسالة حقلا طيب البذرة طيب الرعاية فأثمر.

ولقد كنت تترك لقلمك (المعجز) وبيانك (الساحر) حق الدفاع عن الحق والحقيقة عن الحر والحرية.

لقد وقفت منذ عشرين عاما على مفترق الطرق تشير بيد الإيمان الصادقة إلى تلك الأمم الحائرة، والشعوب المحتشدة على ضفاف الحياة لترشدها إلى طريق السعادة والسيادة. . إلى طريق الحرية. وإن أريق في سبيل اقتحامه أطهر الدماء وأزهقت أنفس الأرواح.

ولأن من مبدئك ومبدأ رسالتك أن لا ترى الحياة جديرة بالشراء والبقاء إلا إذا قارنتها الحرية الكاملة. . حرية الرأي والقول والفعل العقلي والمادي.

والآن وبعد أن طوى التاريخ تلك الصفحات السود من حياة مصر والمصريين بل ومن حياة الشرق العربي الكريم. وعاد الشرق يبتسم للحياة ابتسامة العز بعد أن قوي فيه الوعي القومي. وثارت فيه روح الدفاع وتربت فيه ملكة الجهر بالحق ولو غضب المستعمرون.

يستقبل الشرق والشرقيون والعرب والإسلام لحظات الكفاح مشاركين مصر العربية في شعورها. . مؤمنين على صوتها حين ينبعث من (بوق) العدل والكرامة، مبتهلين إلى الله بقلوب ملؤها الإيمان أن يشد عضدها وأن يحقق لها آمالها حتى نرى المعركة الدامية التي يخوضها أبناء مصر وأحفاد بناة الهرم وقد تجلت عن حرية كاملة واستقلال غير منقوص.

المخلص لكم وللرسالة: عبد الله الحصين - دار التوحيد - الحجاز - الطائف

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى