فرانز كافكا - أمام القانون.. قصة - ترجمة: خليفه دسوقي

قصة عجيبة ، كعادة كافكا ، والنهايات الأغرب والأقرب إلى العبث ، والمناخ العام الذي يتمركز في اللا زمان واللا مكان كالملاحم القديمة ، والقانون الذي يمكن تفكيك دالته إلى عشرات المدلولات ، لأن القانون شامل للجدليات الكبرى ، من الخير والشر ، العدل والظلم ، الجمال والقبح ، القوة والضعف ، السيطرة والخضوع ، السلطة ، الآيدولوجيات المختلفة والمتعارضة ، ... ، ربما كانت بوابة القانون وذاك الحارس والتي خصصت لهذا البائس وحده ، تعكس عدمية لا شك فيها حول الأفكار المثالية كالعدالة ، والحق والخير والجمال. وربما كانت القصة في مجملها انعكاسا نيتشويا لفلسفة الأخلاق. وربما مثل الرجل الضمير اليقظ والمستنير ، ولكنه الجاهل الأعمى في ذات الوقت ، فالضمير اليقظ أعمى عن رؤية حقيقة الصراع الإنساني. لم يستطع الرجل أن يتجاوز البوابة الأولى ، وهي بوابة الإدراك والوعي بخدعة اليوتوبيا ، والنزعة الطوباوية ، وهذا يقرب كثيرا ما بين هذه القصة وبين رواية المحاكمة ، حينما كان البطل يدور في دوامة الجهل بحقيقة التهمة الموجهة اليه حتى تم قتله دون أن يصل إلى الحقيقة ، وربما كانت هذه القصة وتلك الرواية هما ما يرغب كافكا أن ينجز عبرهما وحتى عبر رواية مستوطنة العقاب ، مشروع إخراج الإنسان - من الإيمان بالمطلق ، ليرى هشاشة ما عاش منذ الأزل وهو يستند اليه من مسلمات مزيفة ، زيفها له الآخرون (من رجال دين وسلطة وفلسفة)، فالقانون هنا منعدم ، ومع ذلك شيد له صرح وبوابة ، وعين له حارس ، وكأنه حقيقة مطلقة. ألا يذكرنا ذلك بشريط الأخبار ، هذه الأخيرة التي تنقل خبراً عن حقوق الإنسان ثم تنقل خبراً عن انتهاك هذه الحقوق ، خبراً عن السلام وخبراً عن الحرب ، خبراً ، عن الحرية وخبرا عن الغزو ، والضحية هو ذلك البائيس الذي لا يعرف أن كل هذه الأخبار صنيعة صانع واحد.
أعلى