خيرة جليل - عكس التوقعات.. قصة

سلطن صمت الكهوف على قلبه ، هو لا يحب الفراغ العاطفي شأنه شأن الطبيعة التي بدورها ترفض كل فراغ يهدد كيانها . هو يعلم أنها أهدته تنهيدة الأسف وابتسامة الشفاه وبياض الكفن وتلويح وداع بعد أن ارتشفا من قدح العشق الممنوع . هي كانت تعلم إنهما اقتنصا لحظة فرح غير مشروعة في دهاليز الخطيئة بعيدا عن عين مجتمع يخاف ولا يخجل من اقتراف سلسلة الأخطاء الفظيعة.

مدت يدها إلى حقيبة يدها الجلدية الغالية وأخذت سيجارة وأشعلتها بكل امتعاض وأخذت منها نفسا عميقا ملء رئتيها لتنفثه نحو السماء بكل ازدراء قائلة:

- أقف وأنا عارية من كل الالتزامات التي قد توجع قلبي وأقول : كنت سنة بطعم الفواجع والفضائح .فمن كان المسئول عن وسمك بأبشع الصفات ؟ ما أسهل أن نؤلم أحبتنا ولكن ما أصعب أن نتألم في صمت . ففي كلا الأحوال أنت لا تستحقين كل هذا التأمل أيتها السنة . فالزمن حلقة مفرغة ونحن من يتعب بالدوران فيه.

تلتفت نحو رفيقها لتقول له بنبرة حازمة وهي تتحسس بطنها بكل أسف .

- كان فرحنا قصيرا وحلمي غير مشروع إذا ؟

- أبدا لكن كل المعطيات تغيرت وكل حساباتي كانت خاطئة ، عفويتك كانت اقرب طريق إلى قلبي يا غزالي لكن ما بيدي حيلة.

- إذن لنشرب نخب أخر الهزائم بطعم الخيانة والانكسار كغرباء جمعتهم محطة قطار عابر في كوكبنا هذا.

- لسنا أول ولا أخر غرباء جمعتهم محطة قطار بل حتى بيتي أصبح محطة غرباء تجمعهم مائدة أكل وشيكات بمبالغ سمينة في تكتم شامل وهم يقبلون يد الخديعة بامتنان منقطع النظير.

التفتت إليه وهي تبلع آخر كلماتها بتلعثم : أي عقم عاطفي هذا يبسط جناحيه في هذا الأفق ، وجوه كثيرة عبرت طريقها المرصود ، فتمتمت لن يكون جسدي قاموس لذة مهمل ستنتهي صلاحياته بعد زمن قصير ، قُبْلة حب عميقة واحدة قادرة على شفاء الغليل، رغبة رعناء تغري جسدي هذا المتمرد فنادته : تعالى إلى جانبي لترى من النافدة كم هو هذا العالم المقيت قزم تحت أقدامنا التي تدور في مَدارات العَدم . هيا اقترب لتتأكد مما أقوله.

ثم اشرأبت بعنقها من النافذة نحو الأسفل. نظر إلى عنقها الأبيض وشامته السوداء فرآها كما يريدها لا كما هي فسأل سذاجته، وأجابه غباؤه القديم فأغراه الاقتراب منها أكثر إلى أن التصق صدره بظهرها ولف ذراعيه حول خصرها وهو ينظر نحو الأسفل بفضول. رفعت يديها نحو الأعلى ولفتها حول عنقه. ظن أنها تريد عناقه بحرارة لوداعه الأخير فرآها في ذهنه حقيقة عارية من جل ادعاءاتها تصالح مع غبائه المعهود فاسترخى بين ذراعيها كخيط حرير.

- نعم ليس أمامنا أي خيار غير هذا حبيبي. اعلم ذلك واحترم قرارك هذا. لا عليك لن نتألم أبدا، إنها نشوة الانزياح والحلم المجنون، لا جسر وصال لعشقنا في هذا الأفق المحدود لكن هديتي لك ستكون معطرة بنسائم الشوق على نغمة جريحة وستطردنا لعنة النسيان بعد ان نرتشف من ذاكرة اللحظة.

تضع يدها على بطنها برفق وتهمس بحنين وآلام : يأتي الحلم الجميل وسط عتمة الحياة بنكهة وجع الانتظار وانكسارات المستقبل الحزين ، نعم تجئ دائما المفاجأة عكس التوقعات ، صحيح هناك أمل و ألف حكاية تحكى .

ثم ضمته إليها بقوة، ووثبت به نحو أسفل العمارة


خيرة جليل
*من المجموعة القصصية سر يعلمه الرجال فقط...
عن الكاتب
خيرة جليل
https://www.facebook.com/khira.jalil
https://www.facebook.com/KhiraJalilArt/
https://www.facebook.com/KlmtWmny/
https://www.facebook.com/%D9%85%D9%86%D8%AA%D8%AF%DB%8C-%D8%A3%D8%AC%D9%86%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86-%D9%84%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D8%B9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D9%85%DB%8C%D8%A9-101273344766649/

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى