أحمد بوزفور - رسالة إلى عبد القادر وساط

أغبطك ياصديقي العزيز على هذه الأريحية التي تجعلك تشركنا في كل ما تجنيه من متعة الشعر أنى وجدتها. وفيك وفي أمثالك القليلين ضُرب المثل:
( هذا جناي وخياره فيهْ = إذ كل جان يده إلى فيهْ )
والراء المضمومة في روي البسيط جنة صوتية ودلالية في متن الشعر العربي ليس مثلها جنة. وتتميما للنصوص الجميلة التي عرضتها. أذكرك برائية الخنساء التي تقول فيها:
( فما عَجول على بوّ تُطيف به = قد ساعدتها على التحنان أظآر
ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت = فإنما هي إقبال وإدبار
يوما بأوجد مني يوم فارقني = صخرٌ، وللدهر إحلاء وإمرارُ )
وبرائية الحطيئة التي توسل بها إلى عمر بعد أن حبسه في هجاء الزبرقان، والتي يقول فيها:
( ماذ تقول لأفراخ بذي مرخ = زُغب الحواصل لا ماء ولا شجرُ
ألقيتَ كاسبَهم في قعر مظلمة = فاغفر عليك سلامُ الله ياعمرُ )
وبرائية عمرو بن أحمر ( وهو شاعر مخضرم ) الشهيرة والتي أعتبرها أول احتجاج سياسي فني في تاريخ دولة الإسلام، إذ يشكو فيها من ظلم السعاة ( محصلي الضرائب أو جامعي الزكاة ) الذين بلغ من ظلمهم وعسفهم أن كادوا يقضون على الحياة في بادية العرب، ومطلعها:
( بان الشبابُ وأفنى ضعفه العمرُ = لله دريَ أي العيش أنتظر؟ )
والتي يقول فيها محتجا على ظلم الحكام:
( لسنا بأجساد عاد في طبائعنا = لا نألم الشر حتى يألم الحجرُ
ولا نصارى عليها جزيةٌ نُسُكٌ = ولا يهود طغاما دينهم هَدَرُ
إن نحن إلا أناسٌ أهلُ سائمة = ما إن لنا دونها حرثٌ ولا ثمرُ
ملّوا البلادَ وملتهم، وأحرقهم = ظلمُ السعاة وباد الماءُ والشجرُ..... ).

***

وأنت بعدُ لا يمكن أن تنسى ياصديقي رائية الأخطل الشهيرة:
( خف القطين فراحوا منك أو بكروا = وأزعجتهم نوى في صرفها غيَرُ
ياقاتل الله وصل الغانيات إذا = أيقنَّ أنك ممن قد زها الكبَرُ
أعرضن لما حنى قوسي موتّرُها = وابيضَّ بعد سواد اللّمّة الشعَرُ )
إلى أن يقول في مدح بني أمية:
( شُمسُ العداوة حتى يُستقادَ لهم = وأعظمُ الناس أحلاما إذا قَدَروا
بني أمية قد ناضلت دونكم= أبناءَ قوم همُ آووا وهمْ نصروا
حتى استكانوا وهم مني على مضض = والقولُ ينفُذُ ما لا تنفُذُ الإبرُ ... )
ويقول فيها هاجيا:
( قد أقسم المجدُ حقا لا يحالفهم = حتى يحالفَ بطنَ الراحة الشعَرُ )
وفي رائية البسيط المضمومة أبيات طريفة منها ما يحكون عن امرئ القيس حين وجوده عند قيصر أنه قد لطُف محله من قيصر حتى أدخله معه الحمام فرأى غلفة قيصر فقال:
( لقد حلفتُ يمينا غيرَ كاذبة = أنك أغلفُ إلا ما جنى القمرُ )
وختانة القمر مثل تضربه العرب للأغلف لأن القمر بالطبع لا يختن أحدا. وهذا البيت إن صح دليل على أن العرب، أو بعضهم، كانوا يختتنون في الجاهلية. وكثيرا ما يورد النحويون واللغويون هذا الشاهد الذي لا يُعرف قائله:
( الله يعلم أنا في تلفتنا = يوم الفراق إلى أحبابنا صُورُ
وأنني حيثما يثني الهوى بصري = من حيثما سلكوا أدنو فأنظور )
و ( أنظور زيادة في النظر ). وتعجبني هذه الواو في ( أنظور ) والتي أسميها واو المبالغة. وأتطلع إلى أن نستعملها في لغتنا العربية الحديثة فنقول عن الكاتب الذي يقلد المشارقة في الإكثار من الكتابة والذي يكتب في كل شيء، ويصدر عدة كتب في السنة الواحدة ( فلان يكتوب )، وعن الجاكم العربي الذي لا يسقط ولا يستقيل حتى يموت إنه ( يحكوم ).. وهكذا...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى