لحسن ملواني - أحكام التصوير في الفقه الإسلامي.. ما لا يرضاه الدين هو أن يكون الفن معبرا لعودة الوثنية

من الموضوعات التي كثرت عليها النقاشات والجدال علاقة الإسلام بالفن حيث الخلافات البسيطة أحيانا والحادة أحيانا بين من يحلل ومن يحرم ومن يتحفظ.
ومن الفنون التي نالتها النقاشات والاختلافات في الرأي موضوع الفنون التشكيلية من نحت وتصوير ورسم… والكتاب الذي نحن بصدد تقديم محتواه ملخصا يجمع الكثير من الأفكار والتحليلات الفقهية لمسألة التصوير والرسم والصور الفوتوغرافية في ميزان الإسلام. ومن هذا المنطلق فالكتاب، الذي ألفه الشيخ محمد الحبش، يجمع ثلة من فتاوى الفقهاء بعد مناقشة الكاتب لجل ما ورد عن التحريم للتصاوير والتماثيل وغيرها.
في مدخل الكتاب يرى الكاتب أن الإسلام جاء منهجا متكاملا للحياة الإنسانية واضحا كل الوضوح واسعا كل السعة شاملا غاية الشمول لما يحيل على الحق والقسط والعدل. وهو الدين الذي لم يفصل بين الدين والحياة، ولا بين الدنيا والآخرة، بل عبّد كل طريق بسبيل واضح مستقيم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. فالإسلام بين النظرتين الروحية والمادية، ولم يسمح بطغيان هذه على حساب تلك. ويعتبر الكاتب كون الإنسان مستخلفا في الأرض بخلافة الله مكلفا بإعمارها بأمر الله والخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله.
ولقد عمل العلم بحثا وتمحيصا على طول التاريخ الإسلامي خدمة للصرح الحضاري المجيد تحت ظل القرآن التزاما بفريضة الاستخلاف في الأرض وإعمارها وإحيائها. وكان أول عمل قام به الرسول هو ترسيخ العقيدة الحقة في النفوس وإبطال كل مظاهر الشرك والوثنية التي كانت لا تزال تستعبد العقل الإنساني مسخرة إياه لأغراض وأهداف بخسة.
ولقد ورد النهي صريحا على حرمة اتخاذ التماثيل والتصاوير والأصنام، وصح عن النبي أنه أمر بحرقها أو بهدمها أو بإتلافها تفاديا وتجنبا لما قد يسفر عنها من الانحراف عن التوحيد، وسدا للذريعة الموصلة إلى الشرك الذي تعد محاربته أولى الأوليات في الإسلام. لذلك لم يكن غريبا أن يأتي هذا التشديد وهذا الوعيد طالما أن محله في الحقيقة هو قنطرة الشرك ومعبر للوثنية. وهذه العلة من أبرز علل التحريم في هذا الباب.
ويشير الكاتب إلى كون الإسلام أباح تصوير الأحجار والأشجار والنباتات والزخارف والنقوش الهندسية إباحة مطلقة مستدلا على ذلك بالآثار الإبداعية الفنية التي خلفها المسلمون في مساجدهم يقدمها التاريخ باعتبارها متاحف فنية جميلة بما في ذلك من محاريب ومآذن وقباب تضاهي في جمالها من أجمل ما صمم الإنسان في تاريخه الفني.
«أما أن يتخذ الفن وسيلة لامتهان العقل الإنساني واستعباده ومعبرا لعودة الوثنية من جديد فهذا ما لا يرضاه الإسلام أبدا ولا يقره بحال من الأحوال بل إن النصوص جاءت بأن يسعى في ذلك فإنه أشد عذابا يوم القيامة، فقد جاء في حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله قال:أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون يقال لهم أحيوا ما خلقتم».
وهكذا فإن الإسلام دعا إلى التوحيد الخالص وحماها ان يتطرق إليها الفساد أو الوهن، وأمر بمحاربة العقائد الزائفة وما يوصل أليها أنى كانت وبأي لبوس تسترت.»
وبعد نقاش لأحاديث وردت عن تحريم التصاوير مرورا بالمعنى اللغوي للفظتي التماثيل والتصاوير يخلص الكاتب إلى ما يلي:
ـ المحرم المتفق عليه هو ما كان تمثالا لذي روح غير ممتهن كامل الجسم له ظل يضاهى به خلق الله، فهو حرام اتفاقا.
ـ ما انتفى عنه شرط واحد من الشروط السابقة فقد أصبح مختلفا فيه.
ـ ما كان تمثالا لغير ذي روح فهو مباح مطلقا بلا قيود من ذاته.
ـ لعب الأطفال جائزة مطلقا لاستثنائها بالنص ولأنها قد انتفت عنها صفة التحريم من المضاهاة والتعظيم .
ـ الرسوم على الممتهنات كالورق والكرتون جائزة في ذاتها.
ـ يكره تعليق الرسوم والصور المباحة في جهة القبلة.
ـ يجوز التوشيح والتطريز ما لم يشتمل على محرم آخر.
ـ تكره كسوة الجدران بالتصاوير لذوات الأرواح.
ـ الصورة الفوتوغرافية جائزة في ذاتها ما لم تشتمل على محرم آخر.
ـ التمثال الذي فقد عضوا لا يعيش بدونه جائز.
ـ الصورة العارية حرام مطلقا.
وقد خصص الكاتب فصلا لفتاوى كبار علماء المسلمين في مسألة التصوير الفوتوغرافي مع ترجمة لكل منهم ويتعلق الأمر بالشيخ محمد بخيت المطيعي، والشيخ محمد الخضر حسين، والشيخ حسنين محمد مخلوف، والعلامة محمد أحمد جمال، والشيخ الدكتور السيد سابق، والشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، والشيخ متولي الشعراوي.
والغالب على هذه الفتاوى جواز الصور الفوتوغرافية إن كانت ظلا مطابقا للأصل وليس فيها أي تحوير أو تغيير عن الأصل. وقد صار التصوير ضرورة في كثير من العلوم لذا فهو مباح للضرورة العلمية والاجتماعية والإدارية.
فالتحريم كان في البدء لحداثة العهد بالشرك والوثنية ولسد الذريعة وإذا كانت المصلحة مباحة ترتب عن ذلك إباحة الوسيلة المحققة لها.
«ويبقى مرد التحريم والتحليل في كل شيء الى الحاكم في الإسلام وهو الله :(إليه يرجع الأمر كله)،(إن الحكم إلا لله).
وحكم الله إنما يظهر بنص من القرآن الكريم أو بيان من الرسول أو غير ذلك من وسائل الاجتهاد الأخرى.
وعليه فإن طريقة اتباع الناس للأحكام لا تقضي التحليل والتحريم فإن الكأس التي تشرب بها البرتقال هي الكأس نفسها التي يمكن أن تشرب بها الـخمر، وإن المحراب الذي تؤدى فيه أقدس العبادات يمكن أن تؤدى فيه ـ والعياذ بالله ـ أسوأ المنكرات.»
الكتاب غني بالحديث عن قضايا التصوير بكل أنواعه ومنافعه وأصل تحريمه ودواعي النظر إلى ذلك عبر الاجتهاد والأخذ بعين الاعتبار الأسباب التي جعلت الإسلام منذ بدايته ينظر إليه نظرة المحارب له لما يشكله ذلك على النفوس التي استوطنها الشرك وعبادة وتقديس الأصنام لمدة ليست بالقصيرة.

٭ القدس العربي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى