مزوار محمد سعيد - تلك المشاعر الدفينة

لا يمكن للفرد الإنسان التخلي عما هو مكنوز بداخله، لا يمكنه التخلص من الغضب أو المودة التي تغزو عمقه وتجتاح جوارحه، لا يمكنه أن يصبح بلا مشاعر واحاسيس، كالخشب! فقط آلة جسمية كالآلة، بلا تفاعلات أو انفعالات، لأنه رغب ودون أن يدري في ولوج طريق مغاير لما هو مرصود له، مضمونا وأشكالا.

عندما يفرح الفرد الإنساني، فإنه يتمنى أن تدوم أوقات فرحه إلى ما لا نهاية، ولما يغرق في الحزن، فإنه يحاول القضاء عليه بضربة وحيدة ودفعة واحدة، فيصبح الفرد الإنساني محتارا بين شعور يبث فيه الحماس كالفرح، وآخر يثبط في ذاته العزائم كالحزن والأسى؛ فلا يمكن فصل المشاعر، فصل الأحزان عن الأفراح، فهي من منبع واحد، مع اختلاف في الإخراج.

من أجمل اللحظات التي تجعل الإنسان فاقدا لإدراكه، هي لحظات انفعاله الأقصى، عندما تغور مفاصل الفرد الإنساني بين مفاتن الشرود العقلي، فتراه يتمسك فآخر ما تبقى له من تراكمات ذهنية، ليعيد صياغة لحظة تلفها العشوائية بشكل غير محدد؛ وهنا تطغى الفوضى التي لا مجال لحصرها ضمن مجال محدود.

بالعودة إلى الإنسان الذي يكوّن كيانه من تفاصيل دقيقة لا مجال لإخضاعها بالكامل، يمكن للمرء تحديد مجالات الشعور تبعا لما ينبهها، لكن من الصعب للغاية الوقوف على مكمن التعبيرات أو مصادر الانفعالات بشكل دقيق، إذ لا سبيل للضياع سوى ضمن حقول التصادم الفج بين السعادة والاشمئزاز مثلـا.

تلك المساحة الروحية التي تتولد عن كل ما يبث من القلب، قد تقود الإنسان نحو المرارة ونتائج واقعية عقلية بائسة، تظهر بعدما تزول سكرة الفرح والغبطة، لتنقلب بؤسا لا سبيل لنكرانه، لهذا يقال عن القلوب بأنها تقتات من العمى، أكثر من انغماسها ضمن قوالب النور والسداد، فكونها تنبع من العشوائية، تبقى ارتداداتها قوية للغاية.

لكل إنسان شعور بشكل نواة تنمو معه على حسب صلوات الأيام وتراتيل الأقدار، لكل فرد مجال شعوري يؤرخ لوجوده العام وفقا لتصوراته العبثية، لهذا ينتج عن تفاعلات الفرد مع الأحداث بعض الدموع وبعض الابتسامات، لتتشكل صور رائعة من موارد المسالك العصبية، نتيجة الصدمات الشعورية المتكررة بتوالي الأحداث الواقعية.

سير على تتابع اللحظات على خط زمني محدود، يبدأ بالولادة وينتهي بنهاية الحياة، الأمر يشكل سبيلا غريبا لكل فرد لوحده، يتلاقى مع سبل أخرى لأشخاص آخرين في نقاط محددة، ويفترق عنهم ضمن نقاط محدودة، لتترنح كافة هالات البشر وفقا لما يصادفونه في حيواتهم التي تختلف باختلاف تكويناتهم وعتبات حواسهم.

يفقد الإنسان حياته إن ما فصلت قلبه عن جسمه تماما، ولمدة طويلة، لذلك يفقد الفرد احساسه بالحياة، عندما يقع في الفراغ بشكل عبيط لمدة ليست بالقصيرة، الأمر يتوقف على مدى تعلق الفرد الإنساني بالحياة ومزاياها، على مدى ارادته التي تبدأ وتنتهي عند عتبات عزيمته ومدى تشبثه بتحقيق أمانيه العديدة.

الشعور قد يتحول إلى سلاح ذا حديْن، سلاح في يد الإنسان وقلبه، يتوزع على الثواني التي يقضيها في ساحات الوقائع وتحت مظلات الخيال، لذلك من الصعب للغاية أن تجد الفرد قادرا على التحكم بمشاعره، وفي نهاية المطاف، سيدرك المتأمل بأن الشعور هو في الأساس مركز سابق التحقيق لما له القدرة على تأسيس المجال العام لنشاطاته، لكنه لا يملك القدرة ذاتها على التحكم في خيوط مشاعره بالقدر ذاته؛ في قلب نواة كل فرد الشعورية يتصارع أتباع مشاعره السلبية بما يقف ضدها، في جوف الفرد الإنساني يسكن كل شعور منبثق عن الحياة، بشكل غير محدود، يصنع من الإنسان إنسانا بكافة المعايير رغم كل ما يقف في وجهه من تحديات وأحداث.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى