إدورد وليم لين - 4 - المصريون المحدثون.. شمائلهم وعاداتهم في النصف الأول من القرن التاسع عشر - للأستاذ عدلي طاهر نور

وفي بعض المنازل توجد حجرة أخرى تسمى (مقعد) - كما مر بك في شكل 4 - ترتفع عن الطابق الأرضي نحو ثماني أقدام أو عشر وتستعمل كالمنضرة، وهي ذات واجهة مكشوفة لها عقدان أو أكثر ودرابزون منخفض. كذلك يوجد في الطابق الأرضي مكان مربع يسمى (تختبوش) له واجهة مكشوفة يتوسطها عامود يحمل الجدران العليا، وأرضية هي ليوان مبلط عليه مقاعد خشبية طويلة يسمى الواحد منها (دكة) تصف على جانب واحد أو على جانبين أو على الجوانب الثلاثة. وكثيراً ما يرش الحوش أثناء الصيف بالماء حتى تصبح الغرف المحيطة به (أو على الأقل غرف الطابق الأرضي) لطيفة الحرارة. أما تأثيث الغرف فعلى الطريقة السابق وصفها وبين الغرف العلوية الخاصة بالحريم يوجد غالباً غرفة تسمى (قاعة)، كما ترى أمامك في (شكل 12)، وهي عالية بصفة خاصة، ولها ليوانان، واحد على كل جانب، أحدهما أكبر من الأخر. وفي سطح هذه القاعة قسم يعلو الدرقاعة مرتفعاً عن بقية السقف على شكل قبة، يتدلى في وسطه مصباح صغير يسمى (ممراق) ذو جوانب من خشب المشربية

والدرقاعة هنا كثيراً ما تكون من غير فسقية؛ وغالباً تبلط على مثال المنضرة (المنضرة)، وعلى مثالها أيضاً يوجد في القاعة صفة جميلة ودواليب ذوات حشوات دقيقة الصنع، فضلاً عما في هذه الغرفة وفي غيرها من رفوف خشبية ضيقة تمتد على طول حائطين، أو على طول الحوائط الثلاثة التي تحد الليوان مرتفعة حوالي سبع أقدام أو أكثر عن الأرض فوق الدواليب تماماً. ويوضع فوق هذه الرفوف أوان خزفية هي للزخرفة أكثر منها للاستعمال العام. وكل الغرف تعلو إلى أربع عشرة قدماً أو اكثر، ولكن القاعة أكبرها وأعلاها، وهي تعد في المنازل العظيمة غرفة استقبال جليلة وفي كثير من الغرف العلوية في بيوت الأغنياء يوجد فضلاً عن الشبابيك نوافذ أخرى من الزجاج الملون بمثل باقات من الزهر وطواويس ورسوما أخرى ذات زخرفة مرحة فاخرة، أو نماذج خيالية ذات أثر في النفس لطيف. وتلك النوافذ الملونة الزجاج يطلق عليها لفظ (قمرية)، ارتفاعها يتراوح بين قدم ونصف وبين قدمين ونصف، وعرضها من قدم إلى قدمين؛ وهي تصف بطول القسم الأعلى من مشربية النوافذ البارزة، أو يعلو بعضها هذه المشربيات بحيث تكون مربعاً كبيراً، أو توضع في أي مكان في أعلى الجدران منفردة أو مزدوجة كل زوج بجانب الأخر. وهذه النوافذ الزجاجية تتكون من قطع صغيرة من الزجاج المختلف الألوان، المثبتة بالجص في إطار من الخشب. وكثيراً ما تزين حيطان بعض الغرف بصور غليظة للمسجد الحرام، أو قبر الرسول (صلعم)، أو لبعض الزهور، أو لموضوعات أخرى يصورها صناع الوطنيين المسلمين الذين يجهلون القواعد الأولى للرسم النظري، فيشوهون هكذا ما يحاولون أن يزينوه. وفي أغلب الأحوال تعمل هذه الرسوم الملطخة إرضاء لذوق الأتراك الرديء. وقلما يوجد نظيرها فيما بني على الطراز العربي الجميل، وأحياناً تزين الحوائط بعبارات عربية من حكم وغيرها تكتب على ورق بخط جميل، ثم توضع في أطر مجهزة بألواح زجاجية. وليست هناك غرفة خاصة تؤثث للنوم: فالسرير يطوى أثناء النهار ويوضع على جانب، أو في غرفة ملحقة تسمى (خزنة) تعد للنوم في الشتاء. وفي الصيف ينام الكثيرون في أعلى المنازل. ويغطى الجزء المرتفع من الأرضية المبلطة بالحجر بحصير أو بساط ويوضع فوقها ديوان، وهذا هو الأثاث الكامل للغرفة.

وعند تناول الطعام يؤتى بصينية مستديرة توضع فوق كرسي منخفض، ويجلس الآكلون حولها على الأرض. وليس هناك موقد؛ وإنما تدفأ الغرفة بفحم الحطب الذي يحرق في مجامر. ولكثير من المنازل عند القمة مسقط منحدر يسمى (ملقف) ويكون غالباً من ألواح خشبية أو من خشب وقصب، ويغطى في الحالة الأخيرة بالجص ويبيض من الداخل والخارج، وفتحته تتجه نحو الشمال أو نحو الجنوب ليدخل النسيم البارد الذي يهب من هاتين الجهتين إلى (فسحة) - غرفة مفتوحة - سفلى، وهناك عادة فسحة قبل مدخل كل غرفة أو أكثر من الغرف الرئيسية، فيها يجلس أفراد العائلة أو ينامون صيفا. . .

ويجهز كل باب بقفل خشبي يسمى (ضبة) كما ترى في (شكل 13)؛ ورقم 1 من هذا الشكل هو منظر أمامي للضبة والمزلاج مسحوب للوراء. أما الأرقام 2، 3، 4 فهي مناظر خلفية لأجزاء القفل كل على حدته وللمفتاح. وفي رأس الضبة مسامير صغيرة (أربعة أو خمسة أو أكثر) تسقط في ثقوب مقابلة لها في المزلاج المتحرك كلما دفع إلى المهج. وفي المفتاح أيضاً مسامير مطابقة لتلك الثقوب تدخل فيها فترفع المسامير الأولى وحينئذ يمكن سحب المزلاج للوراء فيفتح القفل. ويبلغ طول قفل باب الشارع أربع عشرة بوصة تقريباً. وأبواب الغرف والدواليب الخ. من سبع إلى تسع بوصات تقريباً. أما أبواب الحارات والمباني العامة فأقفالها من النوع نفسه، ولكن طولها غالباً قدمان أو أكثر. وليس من الصعب فتح هذا القفل

ويلاحظ أن رسم أكثر المنازل يعوزه النظام. فالغرف مختلفة الارتفاع بحيث يجب على الإنسان أن يخطو عدة درجات عندما ينتقل من غرفة لأخرى ملحقة بها. وغاية المعماري الأولى هي جعل المنزل خاصاً بقدر الإمكان، وخصوصاً قسم الحريم؛ فيشيد المنزل بحيث لا تطل النوافذ على غرف منازل أخرى. ويراعي المعماري غرضاً آخر في بناء منازل الموسرين والعظماء وهو أن يجعل للمنزل باب سر يستطيع الساكن أن يهرب منه في حالة الخطر، أو يمكن العاشقين المرور منه. ومن الشائع أيضاً بناء مكان لإخفاء الكنوز يسمى (مخبأ) يكون في جانب من المنزل. وفي حريم المنازل الكبيرة حمام يسخن على طريقة الحمامات العمومية

وقد أشرت إلى طراز معماري آخر على الطريقة التركية جرى عليه الأغنياء أخيراً في بناء منازلهم وتلك المنازل لا تختلف كثيراً عن تلك التي سبق وصفها ما عدا النوافذ. فهي في الغالب يوضع بعضها بجانب بعض تقريباً. وعندما تشغل الحوانيت الجزء الأسفل من البناء في شارع ما (كما هو الحال في شوارع العاصمة الكبيرة، وفي بعض الشوارع الصغيرة) يقسم البناء العلوي عادة إلى مساكن منفصلة يطلق عليها اسم (ربع) وتلك المساكن ينفصل بعضها عن بعض، وكذلك عن الدكاكين تحتها، تؤجر للعائلات التي لا تقوى على دفع إيجار منزل بأكمله. وكل مسكن في الربع يحتوي على غرفة أو غرفتين للجلوس والنوم، وعلى مطبخ ودورة مياه. ويندر أن يكون للمسكن مدخل من الشارع على حدته، فليس هناك إلا مدخل واحد وسلم واحد لعدة مساكن. والغرف في الربع تشبه غرف الدور الخاصة السابق وصفها. وهي لا تؤجر أبداً بفرشها. ومن النادر أن يسمح للأعزب أو الجارية بالسكن في تلك الربوع أو في أي مسكن خاص. ومثل هذا الشخص، ما لم يكن يعيش مع أبويه أو مع أقاربه المقربين، يضطر إلى السكن في وكالة (خان)؛ وهي بناء مخصص لاستقبال التجار وإيداع بضائعهم

وفيما عدا العاصمة وبعض المدن الأخرى، قلما توجد منازل كبيرة أو جميلة. أما مساكن الطبقات السفلى وخصوصاً طبقات الفلاحين فيبدوا عليها الفقر المدقع. فأكثرها مبني باللبن والطين وبعضها ليست إلا أكواخاً عادية. ومع ذلك فأغلبها يحوي غرفتين أو أكثر بالرغم من أن القليل منها يتألف من طابقين. ويوجد في مساكن فلاحي الوجه البحري، في غرفة ما، (فرن) في الطرف الأقصى من المدخل شاغلاً عرض الغرفة كلها، وهو عبارة عن دكة من الطوب والطين لا يزيد ارتفاعها على صدر الإنسان، سقفها مقوس في الداخل ومسطح عند القمة. ويندر أن يمتلك الفلاحون لحافاً يلتحفون به في ليالي الشتاء، فينامون كلهم على سطح الفرن بعد أن يوقدوا فيه ناراً، أو يتمتع بهذا الترف الزوج وزوجته، بينما يفترش الأطفال الأرض. وفي الغرف فتحات صغيرة مرتفعة يدخل منها النور والهواء وتشبك أحياناً بقضبان خشبية. وتكون السقوف من جذوع النخل وتغطى بالجريد والسعف وسيقان الذرة، وتكسى بطبقة من الطين والتبن. ولا يتعدى أثاث المنزل حصيرة أو حصيرتين للنوم، وبعض أوعية من الفخار، ورحاً لطحن الحبوب. ويلاحظ أن في كثير من القرى أبراجاً للحمام كبيرة مربعة الشكل مع ميل خفيف في جدرانها نحو الداخل (مثل كثير من مباني قدماء المصريين)، أو على شكل قالب سكر، تبنى على أسطح الأكواخ باللبن والفواخير والطين. وأكثر قرى مصر يقع على أطلال مرتفعة بحيث لا تصل إليها مياه الفيضان. وتحيط بها أو تجاورها أشجار النخل. وهذه المرتفعات تتكون عادة من بقايا أكواخ سابقة أو مدينة قديمة، ويبدو أنها تزيد بقدر ما يزيد مستوى الوادي من الرواسب وبقدر ما يزيد مجرى النهر

(يتبع)

عدلي طاهر نوري

مجلة الرسالة - العدد 427
بتاريخ: 08 - 09 - 1941

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى