إدريس عيسى - حدائق صوفية

- ثلاثة أشياء تحيي البصر
ماء جار، وخضرة مديدة،
وخيل سابحة.
- مثل عربي قديم -


1. بيت آخر

ما الذي سيقول النبات
لظله ينزل غور الماء؟

لكأن السماء
بيتنا حين نخرج حتى
نرى الأرض شرفتنا العاليه
ونطل على الضوء منها
ونهتف: "يا حر!
يا عدلا في حضوره!
إنك في العتمات وفي الحجر الصلد،

والجذر في ليله.
أنت آخر عدتنا حين نعمى
وتكبر من حولنا جدر الخوف.
إن كان لابد من حافة
فكن الهاويه."

2. ماء راقص

ماء يرقص
أم وقت؟

ادخل يا ضيف الأشجار،
وحي الماء
ستجي الى فمك الأسماء
وتعرف أن الظاهر باب الغيب
وأن النبت

يمزج أسطقسات الممكن
يصعد نحو الشمس
ويبني بيتا تحت.

افتح شفتيك
إذا أبصرت القادم بالقنديل وعزلته،
وقل الصمت.

3. فراديس أولى

سنعود الى عدن بعد عشرين قرنا
من الهول والارتداد الى اليابسه

سنشير لكي تصعد الشجرات وأحلامها
وينام على سرور الماء نيلوفر
لا ينام على الماء
إلا لكي يحرسه
سنعود إلى الأرض -
هجرتنا في رخام المدائن كانت
هبرية البدء:

كل الرواة استعادوا لهيب
الحروب، ودك الصروح، وحرق

الصحائف كي لا يرى الناس بابا،
ودفع العبيد بأصفادهم
وبأحمالهم نحو ما يجعل الالتفات
إلى الخلف موتا.

سنأمر: "هيا انهضي يا حدائق آفلة
خلف إسمنت خيبتنا كي نعود

إلى نارنا البكر ثانية، ونقول:
"لنا النار
والفجر حجتنا".

سنعود إلى العود
حيث الصباح
طائر يترحل في يقظة الشجرات
التي تتأثل في الظنموت
لكي تملك الضوء
تملك أن تجعل الرياح

4. سكينة

السكينة نيلوفر
ينبري من نوافير تحت المياه
المياه ممجدة بالجذور، وبالورق الحي
والنور ممتزجا بالظلال وبالروح
مؤتلفا كشعاع يصفيه جيد الحمامة
فاخرج على الضوء كي لا تكون وحيدا
وكفك عزلاء،
خذ من يقين النبات وأحواله
وفراسته شمعة الأبدية
إن المتاه
بلد تحت جفنيك حين ترى
ثم تطبق كي لا ترى
غير وجه إله.

5. لبلاب يحاكي الغياب

فلترق يا لبلاب
الضوء سلمك العتيد
وأنت من هذيان امرأة يمر
برأسها خيل ومدرعون
في ليل بعيد
نحو امرأة
يمر برأسها قوم يجوبون الصحارى

تائهين، إلههم وثن
يطيل ضلالهم
ويكثر الأبواب.

فترق يا شكلا يغادر شكله
كي يمنح المعمار إمكان الغياب

6. بردي

سنصمت أيها البردي
ونخشع ناظرين إليك
تدعو الماء أن ينسى سرير الطمي
يصحو صوب مرآة النبات، بلاده الأخرى
ويرقى أول الأدراج.

يقينا، لست تمزح حينما تهذي
ويهذي جارك "الياسنت".
قرب "ضلوع آدم"
يا لسوقك في هبوب الحي!
ويا للماء ينعس تحت زوبعة النبات!
يحوك من خرق الظلال إزاره الكلي
يضاعف ما يغطي جسمه المنهوب
كي يعرى!

تشيع - ولست مرتبكا -
وتذهب حيث شئت وشاء ضوؤك -
تبدع المسرى
كأنك تملك المفتاح والمزلاج.

سنصمت كي تعلمنا السماء
فأينا لم يطلب المعراج؟!

7. نخيل

قصي أيها النخل الذي
يعلو وراء القوس

لكنا نراك ونسمع السعفات
ساكنة وتبدع ريحها
في ريح ما سيكون.

فاصعد. أسند الأمداء
سافر في الحفيف
كطائر الصفار يصدح كي يشيع

يحل في الشجرات
يغدو ألف صفار
ويهجر ذاته.

8. كتاب وحشي

غابة من نخيل
تتجلى لأعيننا، أم كتاب
متنه سن شرود النبات
ومن غبش الفجر إذ يعرف الضوء دربا

سطوره ريح جنوبية
وحواشيه من ظمأ وسراب؟

كيف نقرؤه مستعيدين ذاكرة النخل
وإذ يتعالى ليخرج من زهوه

فلك من عراجين راحلة
لا تدور على غير عزلتها؟

سوف ننسى
لنذكر مثل الأدلاء تاهوا
خرائط واحاتنا

ثم ندخل طقس غياب.

9. ضيف النهار

في الحدائق - راحلة في الحفيف -

أنت خل المدى ونديم النهار
أيهذا الذي ليس يسكن روحه في أي دار

خذ من الشجر الصرف درعك
من هبة النبت حربة نار
وانتظر أن يجيء خريف همام
يكذب كل خريف.

10.طواويس معدية

النبات
مرح الأرض قدام صحرائنا
حيلة كي يرى الآدمي نهاياته

وهبوبه في مشهد الأبدية
من غير ظل ولا صفد

والحدائق ذاكرة الريح
حين تؤوب إلى بيتها في الفراغ الأخير
لكأن الطواويس مرت
وأعدت بهالاتها الأرض والشجرات
انظروا:
هو ذا يتناثر قوس قزح
صوبنا، صليدا من نبات شريد
كأن السماء قدح
أهرقت فوق هذي الرحابة جرحا فجرحا
لكي يحدث النبت
مدرئا بطلسماته، وبعيدا عن العطش
المتربص بالجذع والورقات

اهدؤوا:
كلكم سيرى في الحدائق طاووسه
ويسد على قلق الطائر
المتجدد في الظل والضوء، عينيه

كي لا يطير.

11. نوافير ملتهبة

أصص يتأجج فيها النبات. يفور
ينيف، يتيه مع الضوء، يهدر، ينداح
يشهق بالزهر، ينأى، يولي كنار بدائية
في المدى - يتدلى - ويصعد.

من أشعل النار في أصص الطين؟
من جاء من أزل الضوء باللغز؟ أي يد

من حنين اللهيب
إلى صنوه الماء حادت إلى
ذروة النار كي تأخذ القبس
الغفل - تجعله كسوة للنبات الضليل؟

لكأن النوافير جنت بما يجعل الصمت
سيرا على حافة الليل، فانفجرت
لتؤازر وجه النهار

أصص
لنرى أفقنا شاسعا
ونراها ونعرف أن الجدار
مغامرة الآدمي إذ صدق النبت
مندلعا في المكان كأنه برهانه

وإذا تيه الطرقات
وتيه كل دليل.


12. شذرات لمصاحبة الحي

شلال النبات متدفقا على الأسوار
هو الماء الحر الواحد
الذي يهدر بالصمت

ب.

ثم الأرض أيضا
تسحب السماء وتتغطى
لتدرأ العزلة

ج.

أعرف يدا واحدة
ترسم الأشجار بحفيفها
لكن انظروا إليها
ومع كل واحد ريحه.

د.

أشيروا إلى اللوحات
أشيروا رافعين الأصفاد
في الضوء الذي لا يخون
سيهف أمامكم طائر
تتوقعه الشجرات

ه- .

نبات يتمدد ويغزو
كنسيان ينهال على ذاكرة

و.

دائما أصدق اللبلاب:
ليس له من هم سوى المتاه

ر.

لا الى الهواء استند
أيها النيلوفر ولا إلي
بل إلى ما يجعلك نار الماء
أليس عرشك منه؟

ح.

يد تلعب الفراغ واللون
يد يلعبها الفراغ واللون
تابعة جنوح النبات
يد تجرح وتلأم
تعطي برهان الجنة.

ط.

أوه! با للأرض!
يا للكوكب الأفاك !
يلهي بسخاء السكران
فيما يدبر البراكين.


طنجة - القنيطرة
صيف 1999

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى