سامية البحري - أقضم العتمة

جلست قبالة التيه، ألوك أوجاعي، وأردد نغما حزينا، والدموع تغسل عينيّ من الكحل العربي،
ـ آه كان سوادا في لون العتمة .
أذكر ـ ذات مساء ليلكيّ ـ من أيام عاشوراء، سألت أمي، حينما أجلستني قبالتها لتغرق عيني في السواد
ـ لماذا نلتحف السواد، أنا أكره هذا اللون.
ـ هذا كحل عربي، يعطي هاتين العينين الصفاء، ويزيدهما البريق والجمال.
أهرع إلى مرآتي الصغيرة، أتأمل وجهي، فأراك تعبر من نافذة أحزاني.
ألقي بأناملي، أحاول أن أمسك ببعض طيف...
تنشطر المرآة ...أراني بنصفين، نصف للعتمة، ونصف لوجهك .
يلاحقني وجهك بأخاديده المخملية، يقبع فيه التاريخ وتتقلص في قسماته الجغرافيا.
كنت تجلس قبالة ذاك الصندوق القديم ؛ تتلو عليه بعض التمتمات الحزينة، ثم تفتحه...
فجأة يبتلعك... أسمعك تناجيه..تناديه كما ينادى الأحياء.
تسللت إلى قلبك، وقبعت وراء الوريد..شهقت روحي..
ـ من أنت ؟
ـ سميراميس...سميراميس.
ـ طريقي وعرة، وعالمي محفوف بالإنفجارات، لا تقتربي..راقبيني عن بعد.. المكان ملغوم.
ـ أعشق المسالك الوعرة، وأتوق إلى حدائق بابل المعلقة.
أتقدم خطوة..خطوة ..
ـ من أين؟
ـ من بلاد إفريقية، أحمل آلاما وأحلاما، مثلك تماما.
يبتلعني الصندوق....الأصوات تتدافع في قراره، والوجوه مسلوخة، بلا ملامح..
تخرج عليّ إمرأة بنصف ثدي، قد أدمى صوتها العويل .
تحمل بين يديها حذاءا صغيرا لطفلة بنت سنتين، وهي تشمه وتقبّله، ثم تهمس:
ـ لقد جزّوا أيقونتك ولم تعانقها بعد، ولم تفرح بخطواتها الأولى، لقد عصروا الدّفلة في عيوني، وقطعوا مني الوريد.
تقدمت نحوها، دفنت رأسها في صدري، فاحتضنتها بلوعة المشتاق وقبلتها،
رائحة الأمومة المنبعثة من غرف قلبها الملتهب بنار الفجيعة، تغتالني.
رفعت وجهي المبلل بالخجل، ونظرت في عينيها، ثم هممت بالكلام فابتلعني الصمت.
تتسرب إلى مسامعي أغنية جنوبية، بطعم البلح.
نظرت في عينيك، كانت "الرؤى مجهولة"، والسماء يشقها دخان، تهاطل دمعي البربري
و"افترقنا غريبين، تاركين بعض الجنون في زحام المدن"

سامية البحري/نفرتيتي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى